وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ) قال: اصبر على ما أصابك من الأذى في ذلك( إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ ) قال: إن ذلك مما عزم الله عليه من الأمور، يقول: مما أمر الله به من الأمور.
القول في تأويل قوله تعالى :﴿ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨) ﴾
اختلفت القرّاء في قراءة قوله:(وَلا تُصَعِّرْ) فقرأه بعض قرّاء الكوفة والمدنيين والكوفيين:(وَلا تُصَعِّرْ) على مثال(تُفَعِّل). وقرأ ذلك بعض المكيين وعامة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة(وَلا تُصَاعِرْ) على مثال(تُفَاعِل).
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام: ولا تعرض بوجهك عمن كلمته تكبرا واستحقارا لمن تكلمه، وأصل(الصعر) داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رءوسها حتى تلفت أعناقها عن رءوسها، فيشبه به الرجل المتكبر على الناس، ومنه قول عمرو بن حُنَيٍّ التَّغلبيّ:
وكُنَّا إذَا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ... أقَمْنا لَهُ مِنْ مَيْلِهِ فَتَقوَّما (١)
نُعَاطِي المُلُوكَ الحَقَّ مَا قَصَدُوا بِنَا | وَلَيْسَ عَلَيْنَا قَتْلُهُمْ بِمُحَرَّمِ |
أنِفْتُ لَهُمْ مِنْ عَقْلِ عَمْرِو بنِ مَرْثَدٍ | إذَا وَرَدُوا مَاءً وَرُمْح بنِ هَرْثَمِ |
وَكُنَّا إذَا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ | أقَمْنَا لَهُ مِنْ مَيْلِهِ فَتَقَوَّمِ |
يُعَيِّرُنِي أُمِّي رِجَالٌ وَلَنْ تَرَى | أخا كرمٍ إلا بِأنْ يَتَكَرمَّا |
وغيره يروون هذه الأبيات لجابر بن حني التغلبي. وقال أبو عبيدة في تفسير قوله تعالى: (ولا تصعر خدك للناس): مجازه: لا تقلب وجهك، ولا تعرض بوجهك في ناحية، من الكبر؛ ومنه الصعر الذي يأخذ الإبل في رءوسها، حتى يلفت أعناقها عن رءوسها. وقال عمرو بن حني التغلبي: "وكنا... فتقوما". ونسب البيت في (اللسان: صعر) للمتلمس جرير بن عبد المسيح. قال: الصعر: ميل في الوجه. وقيل: الصعر: ميل في الخد خاصة. وربما كان خلقة في الإنسان والظليم. وقيل: هو ميل في العنق، وانقلاب في الوجه إلى حد الشقين. وقد صعر خده وصاعره: أماله من الكبر، قال المتلمس "وكنا... فتقوما". يقول: إذا أمال متكبر خده أذللناه حتى يتقوم ميله. ا هـ.