خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)؛ لأن ذلك أظهر معانيه. وأما الذي وجه تأويل ذلك إلى أنه بمعنى: الذي أحسن خلق كلّ شيء، فإنه جعل الخلق نصبا بمعنى التفسير، كأنه قال: الذي أحسن كلّ شيء خلقا منه. وقد كان بعضهم يقول: هو من المقدّم الذي معناه التأخير، ويوجهه إلى أنه نظير قول الشاعر:
وَظَعْنِي إلَيْكَ للَّيْل حِضْيَنْةِ أنَّنِي... لِتِلْكَ إذَا هابَ الهِدَانُ فَعُولُ (١)
يعني: وظعني حضني الليل إليك؛ ونظير قول الآخر:
كأنَّ هِنْدًا ثناياها وَبهْجَتَهَا... يَوْمَ الْتَقَيْنا عَلى أدْحالِ دَبَّاب (٢)
أي: كأن ثنايا هند وبهجتها.
وقوله:(وَبَدأ خَلْقَ الإنْسانِ مِنْ طِين) يقول تعالى ذكره: وبدأ خلق آدم من طين(ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) يعني: ذريته(من سلالة)، يقول: من الماء الذي انسل فخرج منه. وإنما يعني من إراقة من مائه، كما قال الشاعر:
فجاءتْ بِه عَضْبَ الأدِيمِ غَضَنْفَرًا... سُلالَةَ فَرْجٍ كانَ غيرَ حَصِينِ (٣)
وقوله:(مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) يقول: من نطفة ضعيفة رقيقة.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
(٢) البيت في مجاز القرآن لأبي عبيدة، ( الورقة ١٩٢ - أ) عند تفسير قوله تعالى:(أحسن كل شيء خلقه). بعد الشاهد السابق: "وظعني إليك..." البيت. ثم قال: كأن ثنايا هند وبهجتها. وهو أيضا في "اللسان: دبب": قال: قال الأزهري: وبالخلصاء رمل يقال له: الدباب، وبحذائه دُحْلان كثيرة (بضم الدال) ومنه قول الشاعر :
كَأَنَّ هِنْدًا ثَنَايَاهَا وَبَهْجَتَهَا | لَمَّا الْتَقَيْنَا لَدَى أدْحَالِ دَبَّاب |
مَوْلِيَّةٌ أُنُفٌ جَادَ الرَّبِيعُ بِهَا | عَلَى أبَارِقَ قدْ هَمَّتْ بِأَعْشَابِ |
(٣) البيت: (مجاز القرآن لأبي عبيدة الورقة ١٦٢ - ب) عند قوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) في سورة المؤمنين. (الجزء ١٨ : ٨) فراجعه ثمة.