وقوله:(ثُمَّ سُئِلوا الفِتْنَةَ) يقول: ثم سئلوا الرجوع من الإيمان إلى الشرك(لآتَوْها) يقول: لفعلوا ورجعوا عن الإسلام وأشركوا. وقوله:(وَما تَلَبَّثُوا بها إلا يَسِيرًا) يقول: وما احتبسوا عن إجابتهم إلى الشرك إلا يسيرا قليلا ولأسرعوا إلى ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ) أي: لو دخل عليهم من نواحي المدينة(ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ) : أي: الشرك(لآتَوْها) يقول: لأعطوها.(وَما تَلَبَّثُوا بِها إلا يَسِيرًا) يقول: إلا أعطوه طيبة به أنفسهم ما يحتبسونه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ) يقول: لو دخلت المدينة عليهم من نواحيها(ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لآتوْهَا) سئلوا أن يكفروا لكفروا. قال: وهؤلاء المنافقون لو دخلت عليهم الجيوش، والذين يريدون قتالهم، ثم سئلوا أن يكفروا لكفروا. قال: والفتنة: الكفر، وهي التي يقول الله:(الفِتْنَةُ أشَدُّ مِنَ القَتْلِ) أي: الكفر. يقول: يحملهم الخوف منهم، وخبث الفتنة التي هم عليها من النفاق على أن يكفروا به.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله:(لآتَوْها) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وبعض قرّاء مكة:(لأتَوْها) بقصر الألف، بمعنى جاءوها. وقرأه بعض المكيين وعامة قرّاء الكوفة والبصرة:(لآتَوْها) بمدّ الألف، بمعنى: لأعطوها، لقوله:(ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ). وقالوا: إذا كان سؤال كان إعطاء. والمدّ أعجب القراءتين إليّ لما ذكرت، وإن كانت الأخرى جائزة.
القول في تأويل قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا (١٥) ﴾
يقول تعالى ذكره: ولقد كان هؤلاء الذين يستأذنون رسول الله صلى الله عليه


الصفحة التالية
Icon