من جواب القسم، وكأنه قيل: ص، ما الأمر كما قلتم، بل أنتم في عزة وشقاق. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: زعموا أن موضع القسم في قوله( إِنْ كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ ) وقال بعض نحويي الكوفة: قد زعم قوم أن جواب(والقرآن) قوله( إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ) قال: وذلك كلام قد تأخر عن قوله(والقرآن) تأخرا شديدا، وجرت بينهما قصص، مختلفة، فلا نجد ذلك مستقيما في العربية، والله أعلم.
قال: ويقال: إن قوله(والقُرآنِ) يمين اعترض كلام دون موقع جوابها، فصار جوابها للمعترض ولليمين، فكأنه أراد: والقرآن ذي الذكر، لَكَمْ أهلكنا، فلما اعترض قوله( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ ) صارت كم جوابا للعزة واليمين. قال: ومثله قوله( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ) اعترض دون الجواب قوله( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا ) فصارت قد أفلح تابعة لقوله: فألهمها، وكفى من جواب القسم، فكأنه قال: والشمس وضحاها لقد أفلح.
والصواب من القول في ذلك عندي، القول الذي قاله قتادة، وأن قوله(بَلْ) لما دلّت على التكذيب وحلَّت محلّ الجواب استغني بها من الجواب، إذ عرف المعنى، فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك:( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) ما الأمر، كما يقول هؤلاء الكافرون: بل هم في عزّة وشقاق.
وقوله( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ) يقول تعالى ذكره: بل الذين كفروا بالله من مشركي قريش في حمية ومشاقة، وفراق لمحمد وعداوة، وما بهم أن لا يكونوا أهل علم، بأنه ليس بساحر ولا كذاب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله(في عزة وشقاق) قال: مُعَازِّين.