ومنه قولهم:"مُحْسِنة فهيلى". وقول النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:"آئِبُونَ تَائِبُونَ". وقوله:"جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ الله" كلّ ذلك بضمير رَفَعه. وقوله عزّ وجلّ( بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ ) يقول: تعدّى أحدنا على صاحبه بغير حقّ( فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ ) يقول: فاقض بيننا بالعدل( وَلا تُشْطِطْ ) : يقول: ولا تجُر، ولا تسرف في حكمك، بالميل منك مع أحدنا على صاحبه. وفيه لغتان: أشَطَّ، وشَطَّ. ومن الإشطاط قول الأحوص:
ألا يا لقَوْمٍ قدْ أشَطَّتْ عَوَاذِلِي... وَيَزْعُمْنَ أنْ أودَى بحَقِّي باطِلي (١)
ومسموع من بعضهم: شَطَطْتَ عليّ في السَّوم. فأما في البعد فإن أكثر كلامهم: شَطَّتْ الدار، فهي تَشِطّ، كما قال الشاعر:
تَشِطُّ غَدًا دَارُ جِيرَانِنَا... وللدَّارُ بَعْدَ غَدٍ أبْعَدُ (٢)
وقوله( وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ) يقول: وأرشدنا إلى قصد الطريق المستقيم.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله( وَلا تُشْطِطْ ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( وَلا تُشْطِطْ ) : أي لا تمل.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( وَلا تُشْطِطْ ) يقول: لا تُحِف.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله( وَلا تُشْطِطْ ) تخالف عن الحقّ، وكالذي قلنا أيضا في قوله( وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ) قالوا.
(٢) البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( الورقة ٢١٣) عند قوله تعالى :" ولا تشطط" أي : لا تسرف. وأنشد" تشطط غدا دار جيراننا..." البيت. ويقال : كلفتني شططا : منه وشطت الدار : بعدت. أ هـ. وفي اللسان :( شطط ) : وفي التنزيل" ولا تشطط". وقريء" ولا تشطط" بضم الطاء الأولى، وفتح التاء، ومعناها : لا تبعد عن الحق. أ هـ.