وكما قال جلّ ثناؤه( وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ) فرفع فعال وهو نكرة محضة، وأتبع إعراب الغفور الودود; والآخر: أن يكون معناه: أن ذلك من صفته تعالى، إذ كان لم يزل لذنوب العباد غفورا من قبل نزول هذه الآية وفي حال نزولها، ومن بعد ذلك، فيكون عند ذلك معرفة صحيحة ونعتا على الصحة. وقال:( غَافِرِ الذَّنْبِ ) ولم يقل الذنوب، لأنه أريد به الفعل، وأما قوله:( وَقَابِلِ التَّوْبِ ) فإن التوب قد يكون جمع توبة، كما يجمع الدَّومة دَوما والعَومة عَوما من عومة السفينة، كما قال الشاعر:
عَوْمَ السَّفِينَ فَلَمَّا حالَ دُونَهُمُ (١)
وقد يكون مصدر تاب يتوب توبا.
وقد حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، قال: جاء رجل إلى عمر، فقال: إني قتلت، فهل لي من توبة؟ قال: نعم، اعمل ولا تيأس، ثم قرأ:( حم تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ ).
وقوله:( شَدِيدُ الْعِقَابِ ) يقول تعالى ذكره: شديد عقابه لمن عاقبه من أهل العصيان له، فلا تتكلوا على سعة رحمته، ولكن كونوا منه على حذر، باجتناب معاصيه، وأداء فرائضه، فإنه كما أن لا يؤيس أهل الإجرام والآثام من عفوه، وقبول توبة من تاب منهم من جرمه، كذلك لا يؤمنهم من عقابه