القول في تأويل قوله تعالى :﴿ تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) ﴾
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ترى يا محمد الكافرين بالله يوم القيامة( مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا ) يقول: وَجِلين خائفين من عقاب الله على ما كسبوا في الدنيا من أعمالهم الخبيثة.( وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ ) يقول: والذين هم مشفقون منه من عذاب الله نازل بهم، وهم ذائقوه لا محالة.
وقوله:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ ) يقول تعالى ذكره: والذين آمنوا بالله وأطاعوه فيما أمر ونهى في الدنيا في روضات البساتين في الآخرة. ويعني بالروضات: جمع روضة، وهي المكان الذي يكثر نبته، ولا تقول العرب لمواضع الأشجار رياض; ومنه قول أبي النجم.
والنَّغضَ مِثْلَ الأجْرَبِ المُدَّجَّلِ... حَدائِقَ الرَّوْضِ التي لَمْ تُحْلَلِ (١)
يعني بالروض: جمع روضة. وإنما عنى جل ثناؤه بذلك: الخبر عما هم

(١) هذان بيتان من مشطور الرجز، لأبي النجم الفضل بن قدامة العجلي والأرجوزة بتمامها في مجلة المجمع العلمي ( مجلد ٨ : ٤٧٢ ) وروى البيت الأول منهما وفسره ابن قتيبة في كتابه ( المعاني الكبير، طبع الهند ٣٣٢ - ٣٣٣) والنغض من أسماء الظليم، لأنه يحرك رأسه إذا عدا. والمدجل : المهنوء بالقطران. وشبهه بالأجرب، لأنه قد أسن وذهب ريشه من أرفاغه. وفي ( اللسان : دجل) : شدة طلي الجرب بالقطران. والمدجل : المهنوء بالقطران. ونغض برأسه ينغض نغضا : حركه. وإنما سمي الظليم نغضا، لأنه إذا عجل في مشيته ارتفع وانخفض. ا هـ. والنغض منصوب بالفعل" راعت" في البيت قبله، أي راقبته ونظرت إليه. والحدائق : جمع حديقة، وهي القطعة من الزرع ؛ وكل بستان كان عليه حائط فهو حديقة. وما لم يكن عليه حائط، لم يقل له حديقة. وقال الزجاج : الحدائق البساتين والشجر الملتف. وحدائق الروض : ما أعشب منه والتف. يقال : روضة بني فلان ما هي إلا حديقة. وإذا لم يكن فيها عشب فهي روضة ( اللسان : حدق ) ونصب قوله حدائق بقوله" تبقلت من أول التبقل" وهو بيت في أول الأرجوزة. والتي لم تحال : التي لم توطأ ولم ترعها الحيوانات، فيقل نبتها.


الصفحة التالية
Icon