وقوله( أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) يقول: هؤلاء الذين لم يجيبوا داعي الله فيصدّقوا به، وبما دعاهم إليه من توحيد الله، والعمل بطاعته في جور عن قصد السبيل، وأخذ على غير استقامة،( مُبِينٍ ) : يقول: يبين لمن تأمله أنه ضلال، وأخذ على غير قصد.
القول في تأويل قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) ﴾
يقول تعالى ذكره: أولم ينظر هؤلاء المنكرون إحياء الله خلقه من بعد وفاتهم، وبعثه إياهم من قبورهم بعد بلائهم، القائلون لآبائهم وأمهاتهم( أفّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلَت القرون من قبلي ) فلم يبعثوا بأبصار قلوبهم، فيروا ويعلموا أن الله الذي خلق السموات السبع والأرض، فابتدعهنّ من غير شيء، ولم يعي بإنشائهنّ، فيعجز عن اختراعهنّ وإحداثهنّ( بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ) فيخرجهم من بعد بلائهم في قبورهم أحياء كهيئتهم قبل وفاتهم.
واختلف أهل العربية في وجه دخول الباء في قوله( بِقَادِرٍ ) فقال بعض نحويي البصرة: هذه الباء كالباء في قوله( كَفَى بِاللَّهِ ) وهو مثل( تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ) وقال بعض نحويي الكوفة: دخلت هذه الباء للمَ; قال: والعرب تدخلها مع الجحود إذا كانت رافعة لما قبلها، وتدخلها إذا وقع عليها فعل يحتاج إلى اسمين مثل قولك: ما أظنك بقائم، وما أظنّ أنك بقائم، وما كنت بقائم، فإذا خلعت الباء نصبت الذي كانت تعمل فيه، بما تعمل فيه من الفعل، قال: ولو ألقيت الباء من قادر في هذا الموضع رفع، لأنه خبر لأن، قال: وأنشدني بعضهم:
فَمَا رَجَعَتْ بخائِبَةٍ رِكابٌ... حَكِيمُ بنُ المُسيِّبِ مُنْتهَاها (١)