وقوله( وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ) يقول: وفيها أنهار من عسل قد صُفِّي من القَذى، وما يكون في عسل أهل الدنيا قبل التصفية، إنما أعلم تعالى ذكره عباده بوصفه ذلك العسل بأنه مصفى أنه خلق في الأنهار ابتداء سائلا جاريا سيل الماء واللبن المخلوقين فيها، فهو من أجل ذلك مصفًّى، قد صفاه الله من الأقذاء التي تكون في عسل أهل الدنيا الذي لا يصفو من الأقذاء إلا بعد التصفية، لأنه كان في شمع فصُفي منه.
وقوله( وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ) يقول تعالى ذكره: ولهؤلاء المتقين في هذه الجنة من هذه الأنهار التي ذكرنا من جميع الثمرات التي تكون على الأشجار( وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ) يقول: وعفو من الله لهم عن ذنوبهم التي أذنبوها في الدنيا، ثم تابوا منها، وصَفْحٌ منه لهم عن العقوبة عليها.
وقوله( كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ ) يقول تعالى ذكره: أمَّن هو في هذه الجنة التي صفتها ما وصفنا، كمن هو خالد في النار. وابتُدئ الكلام بصفة الجنة، فقيل: مثل الجنة التي وعد المتقون، ولم يقل: أمَّن هو في الجنة. ثم قيل بعد انقضاء الخبر عن الجنة وصفتها( كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ ). وإنما قيل ذلك كذلك، استغناء بمعرفة السامع معنى الكلام، ولدلالة قوله( كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ ) على معنى قوله( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ).
وقوله( وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا ) يقول تعالى ذكره: وسُقي هؤلاء الذين هم خلود في النار ماء قد انتهى حرّه فقطع ذلك الماء من شدّة حرّه أمعاءهم.
كما حدثني محمد بن خلف العَسْقلانيّ، قال: ثنا حَيْوة بن شُريح الحِمصِيّ، قال: ثنا بقية، عن صفوان بن عمرو، قال: ثني عبيد الله بن بشر، عن أبي أُمامة الباهلي، عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقوله( وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ ) قال: يُقَرَّبُ إِلَيْهِ فَيَتَكَرَّهُهُ، فإذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رأْسِهِ، فإذَا شَرِبَ قَطَّعَ أمْعاءَهُ حتى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ. قال: يقول الله( وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) يقول الله عزّ وجلّ


الصفحة التالية
Icon