فجمع بين اللائي والذين، وأحدهما مجزئ من الآخر; وكقول الآخر في الأدوات:
ما إنْ رأيْتُ وَلا سَمِعْتُ بِهِ... كالْيَوْمِ طالِيَ أيْنُقٍ جُرْبِ (١)
فجمع بين "ما" و بين "إن "، وهما جحدان يجزئ أحدهما من الآخر. وأما الآخر: فهو لو أن ذلك أفرد بما، لكان خبرا عن أنه حقّ لا كذب، وليس ذلك المعنيّ به. وإنما أُريد به: أنه لحقّ كما حقّ أن الآدميّ ناطق. ألا يرى أن قولك: أحق منطقك، معناه: أحقّ هو أم كذب، وأن قولك أحق أنك تنطق معناه للاستثبات لا لغيره، فأدخلت "أن" ليفرّق بها بين المعنيين، قال: فهذا أعجب الوجهين إليّ.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله( مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة( مِثْلَ مَا ) نصبا بمعنى: إنه لحقّ حقا يقينا كأنهم وجهوها إلى مذهب المصدر. وقد يجوز أن يكون نصبها من أجل أن العرب تنصبها إذا رفعت بها الاسم، فتقول: مثل من عبد الله، وعبد الله مثلك، وأنت مثلُه، ومثلَهُ رفعا
أخُناس قَدْ هامَ الفُؤَاد بكُمْ | وأصَابَهُ تَبْلٌ مِنَ الْحبّ |
انظر القصة في ترجمة الخنساء في الأغاني لأبي الفرج ) والشاهد في هذا البيت كما قال الفراء في معاني القرآن : إن العرب قد تجمع بين الشيئين من الأسماء والأدوات. إذا اختلف لفظهما، مثل جمع الشاعر بين " ما " و " إن " في هذا البيت، للتوكيد. وكما في قوله تعالى :" إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ". فما مصدريه، وكذلك إن حرف يؤول ما بعده مصدر، وكان في أحدهما غنية عن الآخر.