راود لوطا قومه عن ضيفه الذين نزلوا به حين أراد الله إهلاكهم( فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ ) يقول: فطمسنا على أعينهم حتى صيرناها كسائر الوجه لا يرى لها شقّ، فلم يبصروا ضيفه. والعرب تقول: قد طمست الريح الأعلام: إذا دفنتها بما تسفي عليها من التراب، كما قال كعب بن زُهَير:
مِنْ كُلّ نَصَّاخَةِ الذّفْرَى إذَا أعْتَرَقَتْ... عُرْضَتها طامِسُ الأعْلام مَجْهُولُ (١)
يعني بقوله( طامِسُ الأعْلامِ ) : مندفن الأعلام.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله( وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ ) قال: عمى الله عليهم الملائكة حين دخلوا على لوط.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله( وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ ) وذُكر لنا أن جبريل عليه السلام استأذن ربه في عقوبتهم ليلة أتوا لوطا، وأنهم عالجوا الباب ليدخلوا عليه، فصفقهم بجناحه، وتركهم عميا يتردّدون.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله( وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ ) قال: هؤلاء قوم لوط حين راودوه عن ضيفه، طمس الله أعينهم، فكان ينهاهم عن عملهم الخبيث الذي كانوا يعملون، فقالوا: إنا لا نترك عملنا فإياك أن تُنزل أحدا أو تُضيفه، أو تدعه ينزل عليك، فإنا لا نتركه ولا نترك عملنا. قال: فلما جاءه المرسلون، خرجت امرأته الشقية من الشقّ، فأتتهم فدعتهم، وقالت لهم: تعالوا فإنه قد جاء قوم

(١) البيت : لكعب بن زهير من لاميته المشهورة " بانت سعاد " التي مدح بها سيدنا رسول الله ﷺ. وقد شرحناه ثلاث مرات في ( ٢ : ٤٠٢، ٥ : ١٢٣، ٩ : ١٥٧ ) من هذه الطبعة، فراجعه في أحد هذه المواضع، أو فيها كلها، لزيادة الفائدة.


الصفحة التالية
Icon