عرفنا أحبّ الأعمال إلى الله لعملنا به، ثم قصروا في العمل بعد ما عرفوا.
وإنما قلنا: هذا القول أولى بها، لأن الله جلّ ثناؤه خاطب بها المؤمنين، فقال:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) ولو كانت نزلت في المنافقين لم يسمْوا، ولم يوصفوا بالإيمان، ولو كانوا وصفوا أنفسهم بفعل ما لم يكونوا فعلوه، كانوا قد تعمدوا قيل الكذب، ولم يكن ذلك صفة القوم، ولكنهم عندي أمَّلوا بقولهم: لو علمنا أحبّ الأعمال إلى الله عملناه أنهم لو علموا بذلك عملوه؛ فلما علموا ضعفت قوى قوم منهم، عن القيام بما أملوا القيام به قبل العلم، وقوي آخرون فقاموا به، وكان لهم الفضل والشرف.
واختلفت أهل العربية في معنى ذلك، وفي وجه نصب قوله:( كَبُرَ مَقْتًا ) فقال بعض نحويي البصرة: قال:( كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ ) : أي كبر مقتكم مقتًا، ثم قال:( أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) أذى قولكم. وقال بعض نحويي الكوفة: قوله:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ). كان المسلمون يقولون: لو نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى الله لأتيناه، ولو ذهبت فيه أنفسنا وأموالنا؛ فلما كان يوم أحد، نزلوا عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى شُجّ، وكُسرت رباعيته، فقال( لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ )، ثم قال:( كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ ) كبر ذلك مقتًا: أي فأن في موضع رفع، لأن كبر كقوله: بئس رجلا أخوك.
وقوله:( كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ ) وعند الذين آمنوا، أُضْمِر في كبر اسم يكون مرفوعًا.
والصواب من القول في ذلك عندي أن قوله:( مَقْتًا ) منصوب على التفسير، كقول القائل: كبر قولا هذا القول.
القول في تأويل قوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (٤) ﴾


الصفحة التالية
Icon