الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (١٤) }
اختلف أهل العربية فيما نعتت به قوله:( وَأُخْرَى ) فقال بعض نحوييّ البصرة: معنى ذلك: وتجارة أخرى، فعلى هذا القول يجب أن يكون أخرى في موضع خفض عطفًا به على قوله:( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) وقد يحتمل أن يكون رفعًا على الابتداء. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: هي في موضع رفع. أي ولكم أخرى في العاجل مع ثواب الآخرة، ثم قال:( نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ ) مفسرًا للأخرى.
والصواب من القول في ذلك عندي القول الثاني، وهو أنه معنّي به: ولكم أخرى تحبونها، لأن قوله:( نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ) مبين عن أن قوله:( وَأُخْرَى ) في موضع رفع، ولو كان جاء ذلك خفضًا حسن أن يجعل قوله:( وَأُخْرَى ) عطفا على قوله:( تِجَارَةً )، فيكون تأويل الكلام حينئذ لو قرئ ذلك خفضًا، وعلى خلة أخرى تحبونها، فمعنى الكلام إذا كان الأمر كما وصفت: هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله، يغفر لكم ذنوبكم، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، ولكم خلة أخرى سوى ذلك في الدنيا تحبونها: نصر من الله لكم على أعدائكم، وفتح قريب يعجله لكم.
( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: وبشر يا محمد المؤمنين بنصر الله إياهم على عدّوهم، وفتح عاجل لهم.
وقوله:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة( كُونُواْ أَنْصَارَ اللهِ ) بتنوين الأنصار. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بإضافة الأنصار إلى الله.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا


الصفحة التالية
Icon