بعد ارتفاع، فلذلك جُمعت بالياء والنون، كجمع الرجال، إذا لم يكن له بناء من واحده واثنيه، كما حُكِيَ عن بعض العرب سماعًا أطْعَمَنَا مَرَقَةَ مَرَقَيْنِ: يعني اللحم المطبوخ (١) كما قال الشاعر:
قَدْ رَوَيَتْ إلا الدُّهَيْدِهِينَا... قَلَيُّصَاتٍ وَأُبَيْكِرِينَا (٢)
فقال: وأبيكرينا، فجمعها بالنون إذ لم يقصد عددًا معلومًا من البكارة، بل أراد عددًا لا يحدّ آخره، وكما قال الآخر:
فَأَصْبَحَتِ المَذَاهِبُ قَدْ أذَاعَتْ... بِهَا الإعْصَارُ بَعْدَ الْوَابِلينَا (٣)
يعني: مطرًا بعد مطر غير محدود العدد، وكذلك تفعل العرب في كلّ جمع لم يكن بناء له من واحده واثنيه، فجمعه في جميع الإناث والذكران بالنون على ما قد بيَّنا، ومن ذلك قولهم للرجال والنساء: عشرون وثلاثون. فإذا كان ذلك كالذي ذكرنا، فبين أنّ قوله:( لَفِي عِلِّيِّينَ ) معناه: في علوّ وارتفاع في سماء فوق سماء، وعلوّ فوق علوّ وجائز أن يكون ذلك إلى السماء السابعة،
(٢) ديوان الهذليين ٢ : ١٠١. في المطبوعة :"جلدة" وهو خطأ وقوله "جدة" يعني شبابه الجديد. والجدة : نقيض البلى. والتراب الأعفر : الأبيض، قل أن يطأه الناس لجدبه. وخالد : صديق له من قومه، يرثيه.
(٣) القسم الثاني من ديوانه : ٤٦، وقال ابن سلام في طبقات فحول الشعراء : ص ٥٠ وذكر البيت وبيتًا معه، أنهما قد رويا عن الشعبي (ابن سعد ٦ : ١٧٨)، وهما يحملان على لبيد، ثم قال :"ولا اختلاف في أن هذا مصنوع تكثر به الأحاديث، ويستعان به على السهر عند الملوك والملوك لا تستقصي". أجهش بالبكاء : تهيأ له وخنقه بكاؤه.