على وجه الفعل تأويله: فلا اقتحم العقبة، لا فكّ رقبة، ولا أطعم، ثم كان من الذين آمنوا،( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ) على التعجب والتعظيم وهذه القراءة أحسن مخرجا في العربية، لأن الإطعام اسم، وقوله:( ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) فعل، والعرب تُؤثِر ردّ الأسماء على الأسماء مثلها، والأفعال على الأفعال، ولو كان مجيء التَّنزيل ثم إن كان من الذين آمنوا، كان أحسن، وأشبه بالإطعام والفكّ من ثم كان، ولذلك قلت:( فَكُّ رَقَبَةٍ أوْ أطْعَمَ ) أوجه في العربية من الآخر، وإن كان للآخر وجه معروف، ووجهه أنْ تضمر " أنْ " ثم تلقي، كما قال طرفة بن العبد:
ألا أيُّهَا ذَا الزَّاجِرِي أحْضُرَ الْوَغَى... وأنْ أشْهَدَ اللَّذَّاتِ هلْ أنتَ مُخْلِدي (١)
بمعنى: ألا أيهاذا الزاجري أن أحضر الوغى. وفي قوله: " أن أشهد "الدلالة البينة على أنها معطوفة على أن أخرى مثلها، قد تقدّمت قبلها، فذلك وجه جوازه. وإذا وُجِّه الكلام إلى هذا الوجه كان قوله:( فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ ) تفسيرًا لقوله:( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ) كأنه قيل: وما أدراك ما العقبة؟ هي فكّ رقبة( أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ) كما قال جلّ ثناؤه:( وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ )، ثم قال:( نَارٌ حَامِيَةٌ ) مفسرا لقوله:( فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ )، ثم قال: وما أدراك ما الهاوية؟ هي نار حامية.
وقوله:( أَوْ أَطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ )
يقول: أو أطعم في يوم ذي مجاعة، والساغب: الجائع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس( أو أطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ) يوم مجاعة.
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثني خالد بن حيان الرقي أبو يزيد، عن جعفر بن برقان، عن عكرِمة في قول الله( أو أطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ) قال: ذي مجاعة.