( وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ ) قال: لم يكونوا منتهين حتى يأتيهم; ذلك المنفكّ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أن أهل الكتاب وهم المشركون، لم يكونوا تاركين صفة محمد في كتابهم، حتى بُعث، فلما بُعث تفرّقوا فيه.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: معنى ذلك: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين مفترقين في أمر محمد، حتى تأتيهم البيِّنة، وهي إرسال الله إياه رسولا إلى خلقه، رسول من الله. وقوله.( مُنْفَكِّينَ ) في هذا الموضع عندي من انفكاك الشيئين أحدهما من الآخر، ولذلك صَلُح بغير خبر، ولو كان بمعنى ما زال، احتاج إلى خبر يكون تماما له، واستؤنف قوله( رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ ) هي نكرة على البيِّنة، وهي معرفة، كما قيل:( ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ ) فقال: حتى يأتيهم بيان أمر محمد أنه رسول الله، ببعثة الله إياه إليهم، ثم ترجم عن البيِّنة، فقال: تلك البينة
( رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً ) يقول: يقرأ صحفا مطهرة من الباطل
( فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) يقول: في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة عادلة مستقيمة، ليس فيها خطأ، لأنها من عند الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً ) يذكر القرآن بأحسن الذكر، ويثني عليه بأحسن الثناء.
وقوله:( وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) يقول: وما تفرّق اليهود والنصارى في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، فكذّبوا به، إلا من بعد ما جاءتهم البينة، يعني: من بعد ما جاءت هؤلاء اليهود والنصارى البينة، يعني: أن بيان أمر محمد أنه رسول بإرسال الله إياه إلى خلقه، يقول: فلما بعثه الله تفرّقوا فيه، فكذّب به بعضهم، وآمن بعضهم، وقد كانوا قبل أن يُبعث غير مفترقين فيه أنه نبيّ.
القول في تأويل قوله تعالى :﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥) ﴾.


الصفحة التالية
Icon