القول في تأويل قوله تعالى :﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف القرَأء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قُراء أهل المدينة والبصرة:"ومن تَطوَّع خَيرًا" على لفظ المضيّ ب"التاء" وفتح"العين". وقرأته عامة قراء الكوفيين:"وَمَنْ يَطَّوَّعْ خَيرًا" ب"الياء" وجَزم"العين" وتشديد"الطاء"، بمعنى: ومن يَتطوع. وذُكر أنها في قراءة عبد الله:"ومَنْ يَتطوَّعْ"، فقرأ ذلك قُرّاء أهل الكوفة، على ما وصفنا، اعتبارًا بالذي ذكرنا من قراءَة عبد الله -سوى عَاصم، فإنه وافق المدنيين- فشددوا"الطاءَ" طلبًا لإدغام"التاء" في"الطاء". وكلتا القراءتين معروفة صحيحة، متفقٌ معنياهما غيرُ مختلفين - لأن الماضي من الفعل مع حروف الجزاء بمعنى المستقبل. فبأيّ القراءتين قرأ ذلك قارئٌ فمصيبٌ.
* * *
(١) [والصواب عندنا في ذلك، أن] معنى ذلك: ومن تطوع بالحج والعمرة بعد قَضَاء حجته الواجبة عليه، فإن الله شاكرٌ له على تطوعه له بما تطوع به من ذلك ابتغاءَ وجهه، فمجازيه به، عليمٌ بما قصد وأراد بتطُّوعه بما تطوع به.
وَإنما قُلنا إنّ الصوابَ في معنى قوله:"فمن تطوَّع خيرًا" هو ما وصفنا، دون قول من زَعم أنه معنيٌّ به: فمن تَطوع بالسعي والطواف بين الصفا والمروة، لأن الساعي بينهما لا يكون متطوعًا بالسعي بينهما، إلا في حَج تطوع أو عُمرة تطوع، لما وصفنا قبل. وإذ كان ذلك كذلك كان معلومًا أنه إنما عنى بالتطوع بذلك، التطُّوعَ بما يعملُ ذلك فيه من حَجّ أو عمرة.
* * *