قال أبو جعفر : والذي هو أولى بتأويل" الإثم الكبير" الذي ذكر الله جل ثناؤه أنه في الخمر والميسر: (١) في"الخمر" ما قاله السدي: (٢) زوال عقل شارب الخمر إذا سكر من شربه إياها حتى يعزب عنه معرفة ربه، وذلك أعظمُ الآثام. وذلك معنى قول ابن عباس إن شاء الله. وأما في"الميسر"، فما فيه من الشغل به عن ذكر الله وعن الصلاة، ووقوع العداوة والبغضاء بين المتياسرين بسببه، كما وصف ذلك به ربنا جل ثناؤه بقوله:( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ ) [ سورة المائدة: ٩١ ]
* * *
وأما قوله:" ومنافع للناس"، فإن منافعَ الخمر كانت أثمانها قبل تحريمها، وما يصلون إليه بشربها من اللذة، كما قال الأعشى في صفتها.
لَنَا مِنْ ضُحَاها خُبْثُ نَفْسٍ وَكَأْبَةٌ... وذِكْرَى هُمُوم مَا تُغِبُّ أَذَاتُهَا... وَعِنْد العِشَاءِ طِيبُ نَفْسٍ وَلَذَّةٌ... وَمَالٌ كَثِير، عِزَّةٌ نَشَوَاتُهَا (٣)
وكما قال حسان:
(٢) في المطبوعة :"فالخمر ما قاله السدي... "، وسياق عبارته يقتضي ما أثبت.
(٣) ديوانه : ٦١، والأشربة لابن قتيبة : ٧٠ والبيتان مصحفان تصحيفًا قبيحًا في المطبوعة، في البيت الأول"صحاها" بالصاد المهملة، و"ما تفك أداتها". وفي البيت الثاني"عده نشواتها" وفي الأشربة"عدة"، وفي الديوان"غدوة نشواتها" (بضم الغين ونصب التاء بفتحتين). ونسخة الديوان أيضًا كثيرة التصحيف، فآثرت قراءة الكلمة"عزة". وذلك أن الأعشى يقول قبل البيتين :
لَعَمْرُكَ إنَّ الرَّاحَ إِنْ كُنْتَ شاربًا | لَمُخْتَلِفٌ آصَالُها وَغَدَاتُها |
فالصواب عندي أن تقرأ"عزة لنشواتها"، كقوله أيضًا :
مِنْ قَهْوَةٍ بَاتَتْ بِبَابِلَ صَفْوَةٍ | تَدَعَ الفَتَى مَلِكًا يَمِيلُ مُصَرَّعًا |
وقوله :"ما تغب أذاتها" من قولهم :"غب الشيء" أي بعد وتأخر. تقول :"ما يغبك لطفي" أي ما يتأخر عنك يومًا، بل يأتيك كل يوم، تعني متتابعًا.