عن حاجة المتصدق، فالفضل من ذلك هو"العفو" من مال الرجل، (١) إذْ كان"العفو"، في كلام العرب، في المال وفي كل شيء: هو الزيادة والكثرة - ومن ذلك قوله جل ثناؤه:" حتى عَفَوْا" بمعنى: زادوا على ما كانوا عليه من العدد وكثروا، (٢) ومنه قول الشاعر: (٣)
وَلكِنَّا نُعِضُّ السَّيْفَ منا... بِأَسْوُقِ عَافِيَاتِ الشَّحْمِ كُومِ (٤)
يعني به: كثيرات الشحوم. ومن ذلك قيل للرجل:"خذ ما عفا لك من فلان"، يراد به ما فضل فصفا لك عن جُهده بما لم يَجْهده = (٥) كان بيِّنًا أنّ الذي أذن الله به في قوله:" قل العفو" لعباده من النفقة، فأذنهم بإنفاقه إذا أرادوا إنفاقه، هو الذي بيّن لأمته رسولُ الله ﷺ بقوله:"خير الصدقة ما أنفقت عن غنى"، وأذِنهم به.
* * *
فإن قال لنا قائل: وما تنكر أن يكون ذلك"العفو" هو الصدقة المفروضة ؟ (٦)
(٢) انظر ما قاله في معنى"عفا" فيما سلف : ٣ : ٣٧٠.
(٣) هو لبيد بن ربيعة.
(٤) ديوانه قصيدة ٢ : ١٩، ثم يأتي في التفسير ٩ : ٦ (بولاق)، وفي المطبوعة هنا"يعض السيف منا" وهو خطأ، والصواب ما في الموضع الآخر والديوان. وهذا البيت من أبيات يفخر فيها بإكرامهم الضيف، ولا سيما في الشتاء، يقول إذا جاء الشتاء ببرده وقحطه :
فَلاَ نَتَجَاوَزُ العَطِلاتِ مِنْها | إلى البَكْرِ المُقَارِبِ والكَزُوم |
ولكنّا نُعِضّ السَّيْف... | ................... |
(٥) قوله :"كان بينا... " جواب قوله :"فإذا كان الذي أذن ﷺ... " كان بينا... "، وأذن هنا بمعنى : أعلم وأخبر.
(٦) "الصدقة المفروضة" يعني : الزكاة المفروضة.