إذا قال لرجل:"أنى لك هذا المال" ؟ يريد: من أيّ الوجوه لك. ولذلك يجيب المجيبُ فيه بأن يقول:"من كذا وكذا"، كما قال تعالى ذكره مخبرًا عن زكريا في مسألته مريم:( أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) [ سورة آل عمران: ٣٧ ]. وهي مقاربة"أين" و"كيف" في المعنى، ولذلك تداخلت معانيها، فأشكلت"أنَّى" على سامعيها ومتأوِّليها، (١) حتى تأوَّلها بعضهم بمعنى:"أين"، وبعضهم بمعنى"كيف"، وآخرون بمعنى :"متى" - وهي مخالفة جميع ذلك في معناها، وهن لها مخالفات.
وذلك أن"أين" إنما هي حرف استفهام عن الأماكن والمحال - وإنما يستدل على افتراق معاني هذه الحروف بافتراق الأجوبة عنها. ألا ترى أن سائلا لو سأل آخر فقال:"أين مالك" ؟ لقال:"بمكان كذا"، ولو قال له:"أين أخوك" ؟ لكان الجواب أن يقول:"ببلدة كذا أو بموضع كذا"، فيجيبه بالخبر عن محل ما سأله عن محله. فيعلم أن"أين" مسألة عن المحل.
ولو قال قائل لآخر:"كيف أنت" ؟ لقال:"صالح، أو بخير، أو في عافية"، وأخبره عن حاله التي هو فيها، فيعلم حينئذ أن"كيف" مسألةٌ عن حال المسؤول عن حاله.
ولو قال له:"أنَّى يحيي الله هذا الميت؟"، لكان الجواب أن يقال:"من وجه كذا ووجه كذا"، فيصف قولا نظيرَ ما وصف الله تعالى ذكره للذي قال:( أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) [ سورة البقرة: ٢٥٩ ] فعلا (٢) حين بعثه من بعد مماته.
(٢) قوله"فعلا" مفعول قوله :"نظير ما وصف الله... فعلا" يعني أن الله تعالى وصف بعد ذلك"فعلا" وهذا الفعل هو بعثه من بعد مماته، وذلك قول الله تعالى في عقب ذلك } :
فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ{