بقتاله، (١) من عدو للمسلمين، أو محارب، أو طلب سبع، أو جمل صائل، أو سيل سائل فخاف الغرق فيه. (٢)
وكل ما الأغلب من شأنه هلاك المرء منه إن صلى صلاة الأمن، فإنه إذا كان ذلك كذلك، فله أن يصلي صلاة شدة الخوف حيث كان وجهه، يومئ إيماء لعموم كتاب الله:"فإن خفتم فرجالا أو ركبانا"، ولم يخص الخوف على ذلك على نوع من الأنواع، بعد أن يكون الخوف، صفته ما ذكرت.
* * *
وإنما قلنا إن الخوف الذي يجوز للمصلي أن يصلي كذلك، هو الذي الأغلب منه الهلاك بإقامة الصلاة بحدودها، وذلك حال شدة الخوف، لأن: -
٥٥٦٦- محمد بن حميد وسفيان بن وكيع حدثاني قالا حدثنا جرير، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال النبي ﷺ في صلاة الخوف : يقوم الأمير وطائفة من الناس معه فيسجدون سجدة واحدة، ثم تكون طائفة منهم بينهم وبين العدو. ثم ينصرف الذين سجدوا سجدة مع أميرهم، ثم يكونون مكان الذين لم يصلوا، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون مع أميرهم سجدة واحدة. ثم ينصرف أميرهم وقد قضى صلاته، ويصلي بعد صلاته كل واحد من الطائفتين سجدة لنفسه، وإن كان خوف أشد من ذلك"فرجالا أو ركبانا". (٣)

(١) في المطبوعة :"الخوف على المهمة عند السلمة"، وهو خلط غث. وفي المخطوطة :"الخوف على المهمة عند المسلة"، والصواب ما أثبت من قراءتي لهذا النص. والمهجة : الروح، وخالص النفس. والسلة : استلال السيوف، يقال :"أتيناهم عند السلة"، أي عند استلال السيوف إذا حمي الوطيس.
(٢) صال الجمل يصول، فهو صائل وصؤول : وذلك إذا وثب على راعيه فأكله، وواثب الناس يأكلهم ويعدو عليهم ويطردهم من مخافته.
(٣) الحديث : ٥٥٦٦- جرير : هو ابن عبد الحميد الضبي. عبد الله بن نافع مولى ابن عمر : ضعيف جدا. قال فيه البخاري في الضعفاء :"منكر الحديث". فصلنا القول في تضعيفه في المسند : ٤٧٦٩.
وهذا الحديث هكذا رواه جرير عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر - مرفوعا.
وكذلك رواه ابن ماجه : ١٢٥٨٧، عن محمد بن الصباح، عن جرير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر - مرفوعا أيضًا. وإسناده صحيح. وأشار الحافظ في الفتح ٢ : ٣٦٠ إلى رواية ابن ماجه هذه، وقال :"وإسناده جيد".
ورواه -بمعناه- مالك في الموطأ، ص : ١٨٤، "عن نافع : أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال... "، فذكر نحوه من كلام ابن عمر، ثم قال في آخره :"قال مالك : قال نافع : لا أرى عبد الله بن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وكذلك رواه البخاري ٨ : ١٥٠، عن عبد الله بن يوسف، عن مالك.
وروى الشافعي في الأم ١ : ١٩٧، عن مالك - قطعه من أوله، ثم أشار إلى سائره وذكر آخره. وكذلك رواه البيهقي٣ : ٢٥٦، من طريق الشافعي عن مالك.
وذكره السيوطي ١ : ٣٠٨، من رواية مالك، وزاد نسبته لعبد الرزاق.
فهذا الشك في رفعه من نافع عند مالك -ثم الجزم برفعه في رواية عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عند ابن ماجه- : يقويان رواية جرير عن عبد الله بن نافع، التي هنا.


الصفحة التالية
Icon