لها، إذ كان الميت مستحيلا أن يكون منه وصية بعد وفاته.
* * *
ولو كان معنى الكلام على ما تأوله من قال:"فليوص وصية"، لكان التنزيل: والذين تحضرهم الوفاة ويذرون أزواجا، وصية لأزواجهم، (١) كما قال:( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ) [سورة البقرة: ١٨]
* * *
وبعدُ، فلو كان ذلك واجبًا لهن بوصية من أزواجهن المتوفّين، لم يكن ذلك حقًّا لهن إذا لم يوص أزواجهن لهن قبل وفاتهم، ولكان قد كان لورثتهم إخراجهن قبل الحول، (٢) وقد قال الله تعالى ذكره:"غير إخراج". ولكن الأمر في ذلك بخلاف ما ظنه في تأويله قارئُه:"وصيةً لأزواجهم"، بمعنى: أن الله تعالى كان أمر أزواجهن بالوصية لهنّ. وإنما تأويل ذلك: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا، كتب الله لأزواجهم عليكم وصية منه لهن أيها المؤمنون- أن لا تخرجوهن من منازل أزواجهن حولا كما قال تعالى ذكره في"سورة النساء"( غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ )[سورة النساء: ١٢]، ثم ترك ذكر:"كتب الله"، اكتفاء بدلالة الكلام عليه، ورفعت"الوصية" بالمعنى الذي قلنا قبل.
* * *
فإن قال قائل: فهل يجوز نصب"الوصية" [على الحال، بمعتى موصين] لهن وصية؟ (٣)

(١) هذا رد الطبري على من قرأها بالنصب.
(٢) في المطبوعة :"ولكان لورثتهم إخراجهن" بإسقاط"قد كان"، وفي المخطوطة :"ولكان لورثتهم قد كان إخراجهن"، بتقديم"لورثتهم"، والصواب ما أثبت.
(٣) كان مكان ما بين القوسين بياض في المخطوطة والمطبوعة، وهذه الزيادة بين القوسين استظهرتها من سياق الكلام. وهو يريد في كلامه الآتي خروج الحال مصدرا نحو قولهم :"طلع بغتة، وجاء ركضا، وقتلته صبرا، ولقيته كفاحا". وانظر سيبوبه ١ : ١٨٦، وأوضح المسالك ١ : ١٩٥ وغيرهما. هذا ما استطعت أن أقدره من كلام أبي جعفر ورده هذا القول، وكأنه الصواب إن شاء الله.


الصفحة التالية
Icon