ومن الدليل على ما قلنا: من أنها خثورة النوم في عين الإنسان، قول الأعشى ميمون بن قيس:
تعاطى الضجيع إذا أقبلت... بعيد النعاس وقبل الوسن (١)
وقال آخر: (٢)
باكرتها الأغراب في سنة النو... م فتجري خلال شوك السيال (٣)

(١) ديوانه : ١٥، وهو يلي البيت الذي سلف ١ : ٣٤٥، ٣٤٦، وفي ذكر نساء استمع بهن :
إذا هن نازلن أقرانهن... وكان المصاع بما في الجون
تعاطى الضجيع.................................
صريفية طيبا طعمها... لها زبد بين كوب ودن
وقوله"تعاطى" من قولهم للمرأة :"هى تعاطى خلها" أي صاحبها -أن تناوله قبلها وريقها.
وقوله :"أقبلت"، هو عندي بمعنى : سامحت وطاوعت وانقادت، من"القبول" وهو الرضا. ولم يذكر ذلك أصحاب اللغة، ولكنه جيد في العربية، شبيه بقولهم :"أسمحت"، من السماح، إذا أسهلت وانقادت ووافقت ما يطلبه صاحبها. وذلك هو الجيد عندي. ليس من الإقبال على الشيء. بل من القبول. ويروي مكمان ذلك :"إذا سامها"، ورواية الديوان :"بعيد الرقاد وعند الوسن"
والصريفية : الخمر الطيبة، جعلها صريفية، لأنها أخذت من الدن ساعتئذ، كاللبن الصريف وهو اللبن الذي ينصرف من الضرع حارا إذا حلب. وفي الديون :"صليفية"، باللام، والصواب بالراء يقول : إذا انقادت لصاحبها بعيد رقادها، أو قبل وسنها، عاطته من ريقها خمرا صرفا تفور بالزبد بين الكوب و الدن، ولم يمض وقت عليها فتفسد. يقول : ريفها هو الخمر، في يقظتها قبل الوسن -وذلك بدء فتور الفس وتغير الطباع -وبعد لومها، وقد تغيرت أفواه البشر واستكرهت روائحها ينفي عنها العيب في الحالين. وذلك قل أن يكون في النساء أو غيرهن.
(٢) هو الاعشى أيضًا
(٣) ديوانه : ٥، واللسان (غرب)، من قصيدة جليلة، أفضى فيها إلى ذكر صاحبته له يقول قبله :
وكأن الخمر العتيق من الإسفنط... ممزوجة بماء زلال باكرتها الأغراب.........................................................
الإسفنط : أجود أنواع الخمر وأغلاها. وباكرتها، أي في أول النهار مبادرة إليها.
والأغراب جمع غرب (بفتح فسكمون)، وهو القدح. والسيال : شجر سبط الأغصان، عليه شوك أبيض أصوله أمثال ثنايا اعذارى، وتشبه به أسنانهن يقول : إذا نامت لم يتغير طيب ثغرها، بل كأن الخمر تجرى بين ثناياها طيبة الشذا. وقوله :"باكرتها الأغراب"، وهو كفوله في الشعر السالف أنها"صريفية" أي أخذت من دنها لسعتها. يقول : ملئت الأقداح منها بكرة، يعنى تبادرت إليها الأقداح من دنها، وذلك أطيب لها.
هذا، وقد جاء في شرح الديوان : الأغراب : حد الأسنان وبياضها، وأظال في شرحه، ولكنى لا أرتضيه، والذي شرحته موجود في اللسان، وهو أعرق في الشعر، وفي فهمه.


الصفحة التالية
Icon