وقد أتينا على البيان فيما مضى عن السبب الذي من أجله سمى القرآن"كتابًا" بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
وأما قوله:"منه آيات محكمات" فإنه يعني: من الكتاب آيات. يعني ب"الآيات" آيات القرآن.
وأما"المحكمات"، فإنهن اللواتي قد أحكمن بالبيان والتفصيل، وأثبتت حججهن وأدلتهن على ما جُعلن أدلة عليه من حلال وحرام، ووعد ووعيد، وثواب وعقاب، وأمر وزجر، وخبر ومثل، وعظة وعِبر، وما أشبه ذلك.
* * *
ثم وصف جل ثناؤه: هؤلاء"الآيات المحكمات"، بأنهن:"هُنّ أمّ الكتاب" (٢). يعني بذلك: أنهن أصل الكتاب الذي فيه عماد الدين والفرائض والحدود، وسائر ما بالخلق إليه الحاجة من أمر دينهم، وما كلفوا من الفرائض في عاجلهم وآجلهم.
* * *
وإنما سماهن"أمّ الكتاب"، لأنهن معظم الكتاب، وموضع مَفزَع أهله عند الحاجة إليه، وكذلك تفعل العرب، تسمي الجامعَ معظم الشيء"أمًّا" له. فتسمى راية القوم التي تجمعهم في العساكر:"أمّهم"، والمدبر معظم أمر القرية والبلدة:"أمها".
وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته. (٣)
* * *
ووحَّد"أمّ الكتاب"، ولم يجمع فيقول: هن أمَّهات الكتاب، وقد قال:"هُنّ" = لأنه أراد جميع الآيات المحكمات"أم الكتاب"، لا أن كل آية منهن"أم الكتاب". ولو كان معنى ذلك أن كل آية منهن"أم الكتاب"،

(١) انظر ما سلف ١: ٩٩ / ثم ٣: ٨٦ وفهارس اللغة.
(٢) في المخطوطة"بأنهن من الكتاب" وهو خطأ، والصواب ما في المطبوعة.
(٣) انظر ما سلف ١: ١٠٧، ١٠٨.


الصفحة التالية
Icon