فتأويل الكلام إذًا: إن الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، هو الذي أنزل عليك يا محمد القرآن، منه آيات محكمات بالبيان، هن أصل الكتاب الذي عليه عمادُك وعماد أمتك في الدّين، وإليه مفزعُك ومفزعهم فيما افترضت عليك وعليهم من شرائع الإسلام = وآيات أخر، هنّ متشابهاتٌ في التلاوة، مختلفات في المعاني.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخَر متشابهات"، وما المحكم من آي الكتاب، وما المتشابه منه؟
فقال بعضهم:"المحكمات" من آي القرآن، المعمول بهن، وهنّ الناسخات أو المثبتاتُ الأحكامَ ="والمتشابهات" من آية، المتروك العملُ بهنّ، المنسوخاتُ.
ذكر من قال ذلك:
٦٥٧٣ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا العوّام، عمن حدثه، عن ابن عباس في قوله:"منه آيات محكمات"، قال: هي الثلاث الآيات من ههنا:( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ) [سورة الأنعام: ١٥١، ١٥٢]، إلى ثلاث آيات، (١) والتي في"بني إسرائيل":( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ) [سورة الإسراء: ٢٣ - ٣٩]، إلى آخر الآيات. (٢)

(١) في المطبوعة: "التي هاهنا"، وهو خطأ، فإن الآيات كما ترى من سورة الأنعام وأثبت ما في الدر المنثور ٢: ٤. وانظر التخريج في آخر الأثر.
(٢) الأثر: ٦٥٧٣- هكذا إسناده في المخطوطة والمطبوعة، وأنا أخشى أن يكون سقط من إسناده"عن أبي إسحاق"، بعد"قال أخبرنا العوام". و"العوام" هو العوام بن حوشب، يروي أبي إسحاق السبيعي. أما قوله في الإسناد"عمن حدثه" فإن ذلك كذلك، لأن الذي روى عنه أبو إسحاق السبيعي، هو"عبد الله بن قيس"، مذكور بروايته هذا الأثر، وراويه عنه هو أبو إسحاق السبيعي، ولم يعرف من روى عنه غير أبي إسحاق. (تهذيب التهذيب ٥: ٣٦٥). والأثر نفسه رواه الحاكم في المستدرك ٢: ٢٨٨ من طريق: "علي بن صالح بن حي، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن قيس، عن ابن عباس". ونصه: "آيات محكمات، هي التي في الأنعام: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم - إلى آخر الثلاث الآيات". وقال الحاكم: "صحيح"، ووافقه الذهبي. من أجل ذلك خشيت أن يكون سقط من إسناد الطبري"عن أبي إسحاق"، ولكني لم أثبته في نصه.


الصفحة التالية
Icon