قال أبو جعفر: وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك، فإنه معنىّ بها كل مبتدع في دين الله بدعةً فمال قلبه إليها، تأويلا منه لبعض مُتشابه آي القرآن، ثم حاجّ به وجادل به أهل الحق، وعدل عن الواضح من أدلة آيه المحكمات، إرادةً منه بذلك اللبس على أهل الحق من المؤمنين، وطلبًا لعلم تأويل ما تشابه عليه من ذلك، كائنًا من كان، وأيّ أصناف المبتدعة كان (١) من أهل النصرانية كان أو اليهودية أو المجوسية، أو كان سَبئيًا، (٢) أو حروريًّا، أو قدريًّا، أو جهميًّا، كالذي قال صلى الله عليه وسلم:"فإذا رأيتم الذين يجادلون به، فهم الذين عنى الله، فاحذروهم"، وكما:-
٦٦٢٢ - حدثني يونس قال، أخبرنا سفيان، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس -وذُكر عنده الخوارجُ وما يُلْقَوْنَ عند القرآن، (٣) فقال: يؤمنون بمحكمه، ويهلكون عند متشابهه! وقرأ ابن عباس:"وما يعلم تأويله إلا الله"، الآية.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما قلنا القول الذي ذكرنا أنه أولى التأويلين بقوله:"ابتغاء الفتنة"، لأن الذين نزلت فيهم هذه الآية كانوا أهلَ شرك، وإنما أرادوا بطلب تأويل ما طلبوا تأويله، اللبسَ على المسلمين، والاحتجاجَ به عليهم، ليصدّوهم

(١) في المطبوعة والمخطوطة: "البدعة"، وصواب قراءتها إن شاء الله"المبتدعة"، كما يدل عليه السياق.
(٢) هكذا كتبت هنا"سبئيًا"، وقد أسلفنا أنها كتبت في المواضع الماضية"سبائيًا"، فتركت هذا الرسم كما هو، وهو صواب.
(٣) في المخطوطة والمطبوعة: "وما يلقون عند الفرار"، وهو كلام لا معنى له، وإنما أراد أنه ذكر عند ابن عباس ما عليه الخوارج من الخشوع والعبادة والإخبات عند سماع القرآن، وذلك من أمر الخوارج مشهور، وهم الذين جاء في صفتهم: "تحقرون صلاتهم إلى صلاتكم" في الحديث المشهور. ولذلك قطعت بأن قراءة ما في المخطوطة هو ما أثبت. ويؤيد ذلك جواب ابن عباس: "يؤمنون بمحكمه، ويهلكون عند متشابهه" متعجبًا من فعلهم في خشوعهم، وضلالهم في تأويلهم المبتدع الذي استحلوا به دماء المسلمين وأموالهم.


الصفحة التالية
Icon