وأما قوله:"من لدنك"، فإنه يعني: من عندك.
* * *
وأما"الذرية"، فإنها جمع، وقد تكون في معنى الواحد، وهي في هذا الموضع الواحد. وذلك أنّ الله عز وجل قال في موضع آخر، مخبرًا عن دعاء زكريا:( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ) [سورة مريم: ٥]، ولم يقل: أولياء - فدلّ على أنه سأل واحدًا. وإنما أنث"طيبة"، لتأنيث الذرّية، كما قال الشاعر: (١)
أَبُوكَ خَلِيفَةٌ وَلَدَتْهُ أُخْرَى... وَأَنْتَ خَلِيفَةٌ، ذَاكَ الكَمَالُ (٢)
فقال:"ولدته أخرى"، فأنَّث، وهو ذَكر، لتأنيث لفظ"الخليفة"، كما قال الآخر: (٣)
فَمَا تَْزدَرِي مِنْ حَيَّةٍ جَبَلِيَّةٍ... سُكَاتٍ، إذَا مَا عَضَّ لَيْسَ بِأَدْرَدَا (٤)
فأنث"الجبلية" لتأنيث لفظ"الحية"، ثم رجع إلى المعنى فقال:"إذا مَا عَضّ"، لأنه كان أراد حَية ذكرًا، وإنما يجوز هذا فيما لم يقع عليه"فلانٌ" من الأسماء، كـ"الدابة، والذرية، والخليفة". فأما إذا سُمّي رجل بشيء من ذلك،
(٢) معاني القرآن للفراء ١: ٢٠٨ سيأتي في التفسير ٤: ١٥٠ (بولاق).
(٣) لم أعرف قائله.
(٤) معاني القرآن للفراء ١: ٢٠٨، واللسان (سكت) وكان في المطبوعة: "كما تزدري... سكاب... ليس بأزدرا"، وهو خطأ. والحية إذا كانت جبلية، فذاك أشد لها ولسمها، يقول عنترة:
أَصَمَّ جبَالِيٍّ، إِذا عَضَّ عَضَّةً | تَزَايَلَ عَنْهُ جِلْدُه فتبدّدَا |