فيه ما وصفتُ، من إلقاء ذلك إليهم. وقد يكون إلقاؤه ذلك إليهم إيماءً، ويكون بكتاب. ومن ذلك قوله: (١) ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ ) [سورة الأنعام: ١٢١]، يلقون إليهم ذلك وسوسةً، وقوله:( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) [سورة الأنعام: ١٩]، (٢) ألقى إلي بمجيء جبريل عليه السلام به إليّ من عند الله عز وجل.
وأما"الوحْي"، فهو الواقع من الموحِي إلى الموحَى إليه، ولذلك سمت العرب الخط والكتاب"وحيًا"، لأنه واقع فيما كُتِب ثابتٌ فيه، كما قال كعب بن زهير:
أَتَى العُجْمَ والآفَاقَ مِنْهُ قَصَائِدٌ... بَقِينَ بَقَاءَ الوَحْيِ فِي الحَجَرِ الأصَمّ (٣)
يعني به: الكتابَ الثابت في الحجر. وقد يقال في الكتاب خاصةً، إذا كتبه الكاتب:"وحَى" بغير ألف، ومنه قول رؤبة:
كَأَنَّهُ بَعْدَ رِيَاحِ تَدْهَمُهْ... وَمُرْثَعِنَّاتِ الدُّجُونِ تَثِمُهْ إنْجِيلُ أَحْبَارٍ وَحَى مُنَمْنِمُهْ (٤)
* * *
(٢) قوله: "لأنذركم به ومن بلغ"، ليس في المخطوطة.
(٣) ديوانه: ٦٤، من قصيدة مضى منها بيت فيما سلف ١: ١٠٦، وهي قصيدة جيدة، يرد فيها ما قاله فيه مزرد، أخو الشماخ، حين ذكر كعب الحطيئة في شعره وقدمه وقدم نفسه، فغضب مزرد وهجاه، فقال يفخر بأبيه ثم بنفسه، بعد البيت السالف في الجزء الأول في التفسير:
فَإِنْ تَسْأَلِ الأَقْوَامَ عَنِّي، فَإِنَّنِي | أَنَا ابْنُ أبِي سُلْمَى عَلَى رَغْمِ مَنْ رَغِمْ |
أنَا ابنُ الَّذِي قَدْ عَاشَ تِسْعِينَ حِجَّةً | فَلَمْ يَخْزَ يَوْمًا في مَعَدٍّ وَلَمْ يُلَمْ |
وَأَكْرَمَهُ الأكْفَاءُ فِي كُلِّ مَعْشَرٍ | كِرَامٍ، فَإِنْ كَذَّبْتَني، فَاسْأَلِ الأُمَمْ |
أَتَى العُجْمَ.......... | ................... |