إسحاق قال، حدثني ابن شهاب الزهري = كعبُ بن مالك أخو بني سلِمة قال: عرفتُ عينيه تَزْهَران تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتي:"يا معشر المسلمين: أبشروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم"! فأشار إليَّ رسو ل الله أن أنصت. فلما عرف المسلمون رسول الله ﷺ نهضوا به، ونهض نحو الشعب، معه عليّ بن أبي طالب، وأبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوّام، والحارث بن الصِّمة، (١) في رهط من المسلمين. (٢).
=قال: فبينا رسول الله ﷺ في الشعب ومعه أولئك النفر من أصحابه، إذ علت عالية من قريش الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا"! فقاتل عمرُ بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين، حتى أهبطوهم عن الجبل. ونهض رسول الله ﷺ إلى صخرة من الجبل ليعلوها، وكان رسول الله ﷺ قد بُدِّن، فظاهرَ بين درعين، (٣) فلما ذهب لينهض، فلم يستطع، جلس تحته طلحة بن عبيد الله، فنهض حتى استوى عليها. (٤).
= ثم إن أبا سفيان حين أراد الانصراف، أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى

(١) في المطبوعة: "والحارث بن الصامت"، والصواب من المخطوطة والمراجع، ولا أدري فيم غيره الناشر الأول!!
(٢) هذه الفقرة من الأثر في سيرة ابن هشام ٣: ٨٨، ٨٩.
(٣) بدن الرجل تبدينا: ألبسه البدن، أي الدرع. وقد مضى شراح السيرة، فزعموا أن"بدن" (بالبناء للمعلوم) هنا، معناها: أسن. قال أبو ذر الخشني في تفسير غريب سيرة ابن هشام: ٢٢٨"بدن الرجل، إذا أسن. وبدن، إذا عظم بدنه من كثرة اللحم". وكلا التفسيرين خطأ هنا، وإن كان صحيحًا في اللغة، فإن رسول الله ﷺ لم يكن يوم قاتل في أحد مسنًا ولا بلغ في السن ما يضعفه. وأيضًا فإنه، بأبي هو وأمي ﷺ، لم يوصف قط بالبدانة والسمن. وأما قوله ﷺ في حديث الصلاة: "إني قد بدنت فلا تبادروني بالركوع والسجود"، فإنه لم يعن البدانة، وإنما أراد أن الحركة قد ثقلت عليه، كما تثقل على الرجل البادن. ولو قرئت في"بدن" بالبناء للمعلوم لكان عربية صحيحة.
وأما قوله: "ظاهر بين درعين"، أي ليس إحداهما على الأخرى، وكذلك"ظاهر بين ثوبين، أو نعلين"، لبس أحدهما على الآخر.
(٤) هذه الفقرة من الأثر في سيرة ابن هشام ٣: ٩١، وتاريخ الطبري ٣: ٢١.


الصفحة التالية
Icon