ويعني بقوله:"وليبتلي الله ما في صدوركم"، وليختبر الله الذي في صدوركم من الشك، فيميِّزكم = بما يظهره للمؤمنين من نفاقكم = من المؤمنين. (١)
* * *
وقد دللنا فيما مضى على أنّ معاني نظائر قوله:"ليبتلي الله" و"وليعلم الله" وما أشبه ذلك، وإن كان في ظاهر الكلام مضافًا إلى الله الوصف به، فمرادٌ به أولياؤه وأهل طاعته = (٢) وأنّ معنى ذلك: وليختبر أولياءُ الله، وأهل طاعته الذي في صدوركم من الشك والمرض، فيعرفوكم، [فيميّزوكم] من أهل الإخلاص واليقين ="وليمحص ما في قلوبكم"، يقول وليتبينوا ما في قلوبكم من الاعتقاد لله ولرسوله ﷺ وللمؤمنين من العداوة أو الولاية. (٣)
* * *
"والله عليم بذات الصدور"، يقول: والله ذو علم بالذي في صدور خلقه من خير وشر، وإيمان وكفر، لا يخفى عليه شيء من أمورهم، سرائرها علانيتها، وهو لجميع ذلك حافظ، حتى يجازي جميعهم جزاءهم على قدر استحقاقهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن إسحاق يقول:
٨٠٩٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ذكر الله تلاومَهم -يعني: تلاوم المنافقين - وحسرتهم على ما أصابهم، ثم قال لنبيه ﷺ قل:"لو كنتم في بيوتكم"، لم تحضروا هذا الموضع الذي أظهر الله جل ثناؤه فيه منكم ما أظهر من سرائركم، لأخرج الذي كتب عليهم القتل إلى موطن غيره يصرعون فيه، حتى يبتلي به ما في صدوركم ="وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور"، أي لا يخفى عليه ما في صدورهم، (٤)

(١) انظر تفسير"الابتلاء" فيما سلف ٧: ٢٩٧ تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر ما سلف قريبًا ص: ٢٤٦، تعليق ٢، / ثم انظر ٣: ١٦٠ - ١٦٢.
(٣) انظر تفسير"محص" فيما سلف ص: ٢٤٤.
(٤) في المطبوعة"لا يخفى عليه شيء مما في صدورهم"، وفي المخطوطة"لا يخفى عليه شيء ما في صدورهم"، وضرب بالقلم على"شيء"، ولكن الناشر آثر إثباتها، وجعل"ما""مما"، والصواب المطابق لنص السيرة هو ما أثبت.


الصفحة التالية
Icon