فمعلوم أنه لم يرد صفتها بقوله:"خميص" بالهزال والضرّ من الجوع، ولكنه أراد وصفها بلطافة طيِّ ما على الأوراك والأفخاذ من جسدها، لأن ذلك مما يحمد من النساء. ولكن الذي في معنى الوصف بالاضطمار والهزال من الضر من ذلك، قول أعشى بني ثعلبة:

تَبِيتُونَ فِي المَشْتَى مِلاءً بُطُونُكُمْ وَجَارَاتُكُمْ غَرْثَى يَبِتْنَ خَمَائِصَا (١)
يعني بذلك: يبتن مضطمرات البطون من الجوع والسغب والضرّ. فمن هذا المعنى قوله:"في مخمصة".
* * *
وكان بعض نحويي البصرة يقول:"المخمصة"، المصدر من"خَمَصَه الجوع".
* * *
(١) ديوانه: ١٠٩، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٥٣، من إحدى قصائده التي قالها في خبر المنافرة بين علقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل (الأغاني ١٥: ٥٠)، وبعد البيت:
يُراقِبْنَ مِنْ جُوعٍ خِلالَ مَخَافةٍ نُجُومَ الشِّتَاء العَاتِمَاتِ الغوامِصَا
"غرثى"، جياع، ويروى"جوعى". ووصف النجوم بقوله: "العاتمات" أراد أنها تظلم من الغبرة التي في السماء، وذلك في الجدب (وهو الشتاء)، لأن نجوم الشتاء أشد إضاءة لنقاء السماء، فهن يلتمسن وقت خفائها. و"الغوامص" يعني: التي قل ضوءها من الغبرة. وقال شارح ديوانه: "يبتن جياعًا خائفات ينتظرن طلوع النجوم السحرية، ليخرجن يطلبن شيئًا، كيلا يعرفن". وقوله: "خلال مخافة" من أحسن الكلام في هذا البيت.


الصفحة التالية
Icon