"""" صفحة رقم ٢٨٤٤ """"
انما يمنع النار شدة خضرتها، وكثر مائها، وكثافة ورقها، وعظم جذعها، فوضع امرها على هذا، فوقف وهو يطمع ان يسقط منها شيء فيقتبسه، فلما طال عليه ذلك اهوى اليها بضعث في يده وهو يريد ان يقتبس من لهبها، فلما فعل ذلك موسى مالت نحوه كانها تريده فاستاخر عنها وهاب، ثم عاد فطاف بها فلم تزل تطمعه ويطمع بها ثم لم يكن شيء باوشك من خمودها، فاشتد عند ذلك عجبه وفكر موسى في امرها فقال : هي نار ممتنعة لا يقتبس منها ولكنها تتضرم في جوف شجرة فلا تحرفها هم خمودها على قدر عظمتها في اوشك من طرفه عين، فلما راى ذلك قال : ان لهذه لشانا ثم وضع امرها على انها مامورة أو مصنوعة لا يدري من امرها ولا بما امرت ولا من صنعها ولا لم صنعت فوقف متحيرا، لا يدري ايرجع لم يقيم، فبينا هو على ذلك إذ رمى بطرفه نحو فرعها فاذا اشد ما كان خضرة، واذا بخضرة ساطعة في السماء ينظر اليها تغشى الظلام ثم لم تزل الخضرة تنور وتسفر وتبياض حتى صارت نورا ساطعا عمودا ما بين السماء والأرض على مثل شعاع الشمس تلي دونه الابصار كلما نظر اليه تكاد تخطف بصره، فعند ذلك اشتد خوفه وحزنه، فرد يده على عينيه، ولصق بالارض، وسمع الحسن والوجس، الا انه سمع حينئذ شيئا لم يسمع السامعون بمثله عظما فلما بلغ موسى الكرب، واشتد عليه الهول، وكاد ان يخالط في عقله من شدة الخوف بما يسمع ويرى نودي من الشجرة فقيل : يا موسى، فاجاب سريعا وما يدري من دعاه وما كان سرعة اجابته الا استبشارا بالانس فقال : لبيك مرارا اني لاسمع صوتك واحس وجسك ولا ارى مكانك فاين انت قال : فوقك، فلما سمع هذا موسى علم انه لا ينبغي ذلك الا لربه فايقن، به فقال : كذلك انت يا الهي فكلامك اسمع أم رسولك، قال : بل انا الذي اكلمك، فادن مني فجمع موسى يديه في العثار ثم تحامل حتى استقل قائما فرعدت فرائصه حتى اختلفت واضطربت رجلاه وانقطع لسانه وانكسر قلبه ولم يبق منه عظم يحمل اخر فهو بمنزلة الميت الا ان روح الحياة تجري فيه، ثم زحف على ذلك وهو مرعوب حتى وقف قريبا من الشجرة التي نودي منها وذكر الحديث بطوله. قوله تعالى : ان بورك من في النار
١٦١٢٣ حدثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا شعبة والمسعودي، عن عمرو


الصفحة التالية
Icon