الحجة الخامسة أن الشيء عبارة عما يصح أن يعلم ويخبر عنه وذات الله تعالى كذلك فيكون شيئا واحتج جهم بوجوه الحجة الأولى قوله تعالى الله خالق كل شيء الرعد ١٦ وكذلك قوله وهو على كل شيء قدير المائدة ١٢٠ فهذا يقتضي أن يكون كل شيء مخلوقا ومقدورا والله تعالى ليس بمخلوق ولا مقدور ينتج أن الله سبحانه وتعالى ليس بشيء فإن قالوا إن قوله تعالى الله خالق كل شيء وقوله وهو على كل شيء قدير عام دخله التخصيص قلنا الجواب عنه من وجهين الأول أن التخصيص خلاف الأصل والدلائل اللفظية يكفي في تقريرها هذا القدر الثاني أن الأصل في جواز التخصيص هو أن أهل العرف يقيمون الأكثر مقام الكل فلهذا السبب جوزوا دخول التخصيص في العموميات إلا أن إجراء الأكثر مجرى الكل إنما يجوز في الصورة التي يكون الخارج عن الحكم حقيرا قليل القدر فيجعل وجوده كعدمه ويحكم على الباقي بحكم الكل فثبت أن التخصيص إنما يجوز في الصورة التي تكون حقيرة ساقطة الدرجة إذا عرفت هذا فنقول إن بتقدير أن يكون الله تعالى مسمى بالشيء كان أعظم الأشياء وأجلها هو الله تعالى فامتنع أن يحصل فيه جواز التخصيص فوجب القول بأن ادعاء هذا التخصيص محال الحجة الثانية قوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير الشورى ١١ حكم الله تعالى بأن مثل مثله ليس بشيء ولا شك أن كل شيء مثل لمثل نفسه وثبت بهذه الآية أن مثل مثله ليس بشيء ينتج أنه تعالى غير مسمى بالشيء فإن قالوا إن الكاف زائدة قلنا هذا الكلام معناه أن هذا الحرف من كلام الله تعالى لغو وعبث وباطل ومعلوم أن هذا الكلام هو الباطل ومتى قلنا إن هذا الحرف ليس بباطل صارت الحجة التي ذكرناها في غاية القوة والكمال الحجة الثالثة لفظ الشيء لا يفيد صفة من صفات الجلال والعظمة والمدح والثناء وأسماء الله تعالى يجب كونها كذلك ينتج أن لفظ الشيء ليس اسما لله تعالى أما قولنا إن اسم الشيء لا يفيد المدح والجلال فظاهر وذلك لأن المفهوم من لفظ الشيء قدر مشترك بين الذرة الحقيرة وبين أشرف الأشياء وإذا كان كذلك كان المفهوم من لفظ الشيء حاصلا في أخس الأشياء وذلك يدل على أن اسم الشيء لا يفيد صفة المدح والجلال وأما قولنا أن أسماء الله يجب أن تكون دالة على صفة المدح والجلال فالدليل عليه قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذورا الذين يلحدون في أسمائه الأعراف ١٨٠ والاستدلال بالآية أن يكون الأسماء حسنة لا معنى له إلا كونها دالة على الصفات الحسنة الرفيعة الجليلة فإذا لم يدل الاسم على هذا المعنى لم يكن الاسم حسنا ثم إنه تعالى أمرنا بان ندعوه بهذه الأسماء ثم قال بعد ذلك وذروا الذين يلحدون في أسمائه الأعراف ١٨٠ وهذا كالتنبيه على أن من دعاه بغير تلك الأسماء الحسنة فقد ألحد في أسماء الله فتصير هذه الآية دالة دلالة قوية على أنه ليس للعبد أن يدعو الله إلا بالأسماء الحسنى الدالة على صفات الجلال والمدح وإذا ثبت هاتان المقدمتان فقد حصل المطلوب الحجة الرابعة أنه لم ينقل عن رسول الله ولا عن أحد من الصحابة أنه خاطب الله تعالى بقوله يا شيء وكيف يقال ذلك وهذا اللفظ في غاية الحقارة فكيف يجوز للعبد خطاب الله بهذا الاسم بل نقل


الصفحة التالية
Icon