في بطن أمه فقال سمعت رسول الله يقول إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور شيء فقد اهتدى ومن أخطأ فقد ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله تعالى واعلم أن القول بان الله تعالى هو هذا النور أو من جنسه قول باطل ويدل عليه وجوه الأول أن النور إما أن يكون جسما أو كيفية في جسم والجسم محدث فكيفياته أيضا محدثة وجل الإله عن ان يكون محدثا الثاني أن النور تضاده الظلمة والإله منزه عن أن يكون له ضد الثالث أن النور يزول ويحصل له أفول والله منزه عن الأفول والزوال وأما قوله تعالى الله نور السموات والأرض فجوابه أن هذه الآية من المتشابهات والدليل عليه ما ذكرناه من الدلائل العقلية وأيضا فإنه تعالى قال عقيب هذه الآية مثل نوره النور ٣٥ فأضاف النور إلى نفسه إضافة الملك إلى مالكه فهذا يدل على أنه في ذاته ليس بنور بل هو خالق النور بقي أن يقال فما المقتضي لحسن إطلاق لفظ النور عليه فنقول فيه وجوه الأول قرأ بعضهم لله نور السموات والأرض وعلى هذه القراءة فالشبهة زائلة والثاني أنه سبحانه منور الأنوار ومبدعها وخالقها فلهذا التأويل حسن إطلاق النور عليه والثالث أن بحكمته حصلت مصالح العالم وانتظمت مهمات الدنيا والآخرة ومن كان ناظما للمصالح وساعيا في الخيرات فقد يسمى بالنور يقال فلان نور هذه البلد إذا كان موصوفا بالصفة المذكورة والرابع أنه هو الذي تفضل على عباده بالإيمان والهداية والمعرفة وهذه الصفات من جنس الأنوار ويدل عليه القرآن والأخبار أما القرآن فقوله تعالى في آخر الآية نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء النور ٣٥ وأما الأخبار فكثيرة الخبر الأول
ما روى أبو أمامة الباهلي عن النبي أنه قال اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله الخبر الثاني
عن أنس بن مالك عن النبي أنه قال هل تدرون أي الناس أكيس قالوا الله ورسوله أعلم قال أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا قالوا يا رسول الله هل لذلك من علامة قال نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود فإذا دخل النور في القلب انفسح واتسع للاستعداد قبل نزول الموت الخبر الثالث
عن ابن مسعود قال تلا النبي قوله تعالى أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه الزمر ٢٢ فقلت يا رسول الله كيف يشرح الله صدره قال إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح فقلت
ما علامة ذلك يا رسول الله قال الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزول الموت الخبر الرابع
عن أنس رضي الله عنه قال بينما رسول الله يمشي في طريق إذ لقيه حارثة فقال رسول الله كيف أصبحت يا حارثة قال أصبحت والله مؤمنا حقا فقال عليه الصلاة والسلام انظر ما تقول فإن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك فقال عزفت نفسي عن الدنيا وأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وإلى أهل


الصفحة التالية
Icon