على شيء آخر أما الثاني فإنه لا يفيد لأن ذكر غير الله لا يفيد لا الترغيب ولا الترهيب فبقي أن يقال إنها دالة على ذكر الله وصفات المدح والثناء فنقول ولما كانت أقسام ذكر الله مضبوطة ولا يمكن الزيادة عليها كان أحسن أحوال تلك الكلمات أن تكون من جنس هذه الأدعية وأما الاختلاف الحاصل بسبب اختلاف اللغات فقليل الأثر فوجب أن تكون هذه الأذكار المعلومة أدخل في التأثير من قراءة تلك المجهولات لكن لقائل أن يقول إن نفوس أكثر الخلق ناقصة قاصرة فإذا قرؤا هذه الأذكار المعلومة وفهموا ظواهرها وليست لهم نفوس قوية مشرقة إلهية لم يقو تأثرهم عن الإلهيات ولم تتجرد نفوسهم عن هذه الجسمانيات فلا تحصل لنفوسهم قوة وقدرة على التأثير أما إذا قرؤا تلك الألفاظ المجهولة ولم يفهموا منها شيئا وحصلت عندهم أوهام أنها كلمات عالية استولى الخوف والفزع والرعب على نفوسهم فحصل لهم بهذا السبب نوع من التجرد عن عالم الجسم وتوجه إلى عالم القدس وحصل بهذا السبب لنفوسهم مزيد قوة وقدرة على التأثير فهذا ما عندي في قراءة هذه الرقي المجهولة
المسألة الخامسة
أن بين الخلق وبين أسماء الله تعالى مناسبات عجيبة والعاقل لا بد وأن يعتبر تلك المناسبات حتى ينتفع بالذكر والكلام في شرح هذا الباب مبني على مقدمة عقلية وهي أنه ثبت عندنا أن النفوس الناطقة البشرية مختلفة بالجوهر والماهية فبعضها إلهية مشرقة حرة كريمة وبعضها سفلية ظلمانية نذلة خسيسة وبعضها رحيمة عظيمة الرحمة وبعضها قاسية قاهرة وبعضها قليلة الحب لهذه الجسمانيات قليلة الميل إليها وبعضها محبة للرياسة والاستعلاء ومن اعتبر أحوال الخلق علم أن الأمر كما ذكرناه ثم إنا نرى هذه الأحوال لازمة لجواهر النفوس وأن كل من راعى أحوال نفسه علم أن له منهجا معينا وطريقا مبينا في الإرادة والكراهة والرغبة والرهبة وأن الرياضة والمجاهدة لا تقلب النفوس عن أحوالها الأصلية ومناهجها الطبيعية وإنما تأثير الرياضة في أن تضعف تلك الأخلاق ولا تستولي على الإنسان فأما أن ينقلب من صفة أخرى فذلك محال وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام
الناس معادن كمعادن الذهب والفضة وبقوله عليه الصلاة والسلام
الأرواح جنود مجندة إذا عرفت هذا فنقول الجنسية علة الضم فكل اسم من أسماء الله تعالى دال على معنى معين فكل نفس غلب عليها ذلك المعنى كانت تلك النفس شديدة المناسبة لذلك الاسم فإذا واظب على ذكر ذلك الاسم انتفع به سريعا وسمعت أن الشيخ أبا النجيب البغدادي السهروردي كان يأمر المريد بالأربعين مرة أو مرتين بقدر ما يراه من المصلحة ثم كان يقرأ عليه الأسماء التسعة والتسعين وكان ينظر إلى وجهه فإن رآه عديم التأثر عند قراءتها عليه قال له اخرج إلى السوق واشتغل بمهمات الدنيا فإنك ما خلقت لهذا الطريق وإن رآه متأثرا عند سماع اسم خاص مزيد التأثر أمره بالمواظبة على ذلك الذكر وأقول هذا هو المعقول فإنه لما كانت النفوس مختلفة كان كل واحد منها مناسبا لحالة مخصوصة فإذا اشتغلت تلك النفس بتلك الحالة التي تناسبها كان خروجها من القوة إلى الفعل سهلا هينا يسيرا وليكن هذا آخر كلامنا في البحث عن مطلق الأسماء والله الهادي
الباب التاسع
في المباحث المتعلقة بقولنا الله وفيه مسائل لفظ الجلالة علم لا مشتق
المسألة الأولى
المختار عندنا أن هذا اللفظ اسم علم لله تعالى وأنه ليس بمشتق البتة وهو قول


الصفحة التالية
Icon