عنه واعلم أنا إن فسرنا الإله بالتفسيرين الأولين لم يكن إلها في الأزل ولو فسرناه بالتفسير الثالث كان إلها في الأزل التفسير الثاني الإله مشتق من ألهت إلى فلان أي سكنت إليه فالعقول لا تسكن إلا إلى ذكره والأرواح لا تعرج إلا بمعرفته وبيانه من وجوه الأول أن الكمال محبوب لذاته وما سوى الحق فهو ناقص لذاته لأن الممكن من حيث هو هو معدوم والعدم أصل النقصان والناقص بذاته لا يكمل إلا بتكميل الكامل بذاته فإذا كان الكامل محبوبا لذاته وثبت أن الحق كامل لذاته وجب كونه محبوبا لذاته الثاني أن كل ما سواه فهو ممكن لذاته والممكن لذاته لا يقف عند نفسه بل يبقى متعلقا بغيره لأنه لا يوجد إلا بوجود غيره فعلى هذا كل ممكن فإنه لا يقف عند نفسه بل ما لم يتعلق بالواجب لذاته لم يوجد وإذا كان الأمر كذلك في الوجود الخارجي وجب أن يكون كذلك في الوجود العقلي فالعقول مترقبة إلى عتبة رحمته والخواطر متمسكة بذيل فضله وكرمه وهذان الوجهان عليهما التعويل في تفسير قوله تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب الرعد ٢٨ التفسير الثالث أنه مشتق من الوله وهو ذهاب العقل واعلم أن الخلق قسمان واصلون إلى ساحل بحر معرفته ومحرومون فالمحرومون قد بقوا في ظلمات الحيرة وتيه الجهالة فكأنهم فقدوا عقولهم وأرواحهم وأما الواجدون فقد وصلوا إلى عرصة النور وفسحة الكبرياء والجلال فتاهوا في ميادين الصمدية وبادوا في عرصة الفردانية فثبت أن الخلق كلهم والهون في معرفته فلا جرم كان الإله الحق للخلق هو هو وبعبارة أخرى وهي أن الأرواح البشرية تسابقت في ميادين التوحيد والتمجيد فبعضها تخلفت وبعضها سبقت فالتي تخلفت بقيت في ظلمات الغبار والتي سبقت وصلت إلى عالم الأنوار فالأولون بادوا في أودية الظلمات والآخرون طاشوا في أنوار عالم الكرامات التفسير الرابع أنه مشتق من لاه إذا ارتفع والحق سبحانه وتعالى وهو المرتفع عن مشابهة الممكنات ومناسبة المحدثات لأن الواجب لذاته ليس إلا هو والكامل لذاته ليس إلا هو والأحد الحق في هويته ليس إلا هو والموجد لكل ما سواه ليس إلا هو وأيضا فهو تعالى مرتفع عن أن يقال إن ارتفاعه بحسب المكان لأن كل ارتفاع حصل بسبب المكان فهو للمكان بالذات وللمتمكن بالعرض لأجل حصوله في ذلك المكان وما بالذات أشرف مما بالغير فلو كان هذا الارتفاع بسبب المكان لكان ذلك المكان أعلى وأشرف من ذات الرحمن ولما كان ذلك باطلا علمنا أنه سبحانه وتعالى أعلى من أن يكون علوه بسبب المكان وأشرف من أن ينسب إلى شيء مما حصل في عالم الإمكان التفسير الخامس من أله في الشيء إذا تحير فيه ولم يهتد إليه فالعبد إذا تفكر فيه تحير لأن كل ما يتخيله الإنسان ويتصوره فهو بخلافه فإن أنكر العقل وجوده كذبته نفسه لأن كل ما سواه فهو محتاج وحصول المحتاج بدون المحتاج إليه محال وإن أشار إلى شيء يضبطه الحس والخيال وقال إنه هو كذبته نفسه أيضا لأن كل ما يضبطه الحس والخيال فأمارات الحدوث ظاهرة فيه فلم يبق في يد العقل إلا أن يقر بالوجود والكمال مع الاعتراف بالعجز عن الإدراك فههنا العجز عن درك الإدراك إدراك ولا شك أن هذا موقف عجيب تتحير العقول فيه وتضطرب الألباب في حواشيه