له سميا مريم ٦٥ وأطبقوا على أن المراد منه لفظة الله وأما الأكثرون فقد سلموا كونها لفظة عربية أما القائلون بأن هذا اللفظ اسم علم لله تعالى فقد تخلصوا عن هذه المباحث وأما المنكرون لذلك فلهم قولان قال الكوفيون أصل هذه اللفظة إلاه فأدخلت الألف واللام عليها للتعظيم فصار الالاه فحذفت الهمزة استثقالا لكثرة جريانها على الألسنة فاجتمع لامان فأدغمت الأولى فقالوا الله وقال البصريون أصله لاه فألحقوا بها الألف واللام فقيل الله وأنشدوا كحلفه من أبي رباح
يسمعها لاهه الكبار
فأخرجه على الأصل
المسألة الرابعة
قال الخليل أطبق جميع الخلق على أن قولنا الله مخصوص بالله سبحانه وتعالى وكذلك قولنا الإله مخصوص به سبحانه وتعالى وأما الذين كانوا يطلقون اسم الإله على غير الله فإنما كانوا يذكرونه بالإضافة كما يقال إله كذا أو ينكرونه فيقولون إله كما قال الله تعالى خبرا عن قوم موسى اجعل لنا يعرشون وجاوزنا ببنى إسرءيل البحر فأتوا على قوم تجهلون الأعراف ١٣٨
المسألة الخامسة
اعلم أن هذا الاسم مختص بخواص لم توجد في سائر أسماء الله تعالى ونحن نشير إليها ( فالخاصة الأولى ) أنك إذا حذفت الألف من قولك الله بقي الباقي على صورة لله وهو مختص به سبحانه كما في قوله ولله جنود السموات والأرض الفتح ٤ ولله خزائن السموات والأرض المنافقون ٧ وإن حذفت عن هذه البقية اللام الأولى بقيت البقية على صورة له كما في قوله تعالى له مقاليد السموات والأرض الزمر ٦٣ وقوله له الملك وله الحمد التغابن ١ فإن حذفت اللام الباقية كانت البقية هي قولنا هو وهو أيضا يدل عليه سبحانه كما في قوله قل هو الله أحد الإخلاص ١ وقوله هو الحي لا إله إلا هو غافر ٦٥ والواو زائدة بدليل سقوطها في التثنية والجمع فإنك تقول هما هم فلا تبقى الواو فيهما فهذه الخاصية موجودة في لفظ الله غير موجودة في سائر الأسماء وكما حصلت هذه الخاصية بحسب اللفظ فقد حصلت أيضا بحسب المعنى فإنك إذا دعوت الله بالرحمن فقد وصفته بالرحمة وما وصفته بالقهر وإذا دعوته بالعليم فقد وصفته بالعلم وما وصفته بالقدرة وأما إذا قلت يا الله فقد وصفته بجميع الصفات لأن الإله لا يكون إلها إلا إذا كان موصوفا بجميع هذه الصفات فثبت أن قولنا الله قد حصلت له هذه الخاصية التي لم تحصل لسائر الأسماء الخاصية الثانية أن كلمة الشهادة وهي الكلمة التي بسببها ينتقل الكافر من الكفر إلى الإسلام لم يحصل فيها إلا هذا الاسم فلو أن الكافر قال أشهد أن لا إله إلا الرحمن أو إلا الرحيم أو إلا الملك أو إلا القدوس لم يخرج من الكفر ولم يدخل في الإسلام أما إذا قال أشهد أن لا إله إلا الله فإنه يخرج من الكفر ويدخل في الإسلام وذلك يدل على اختصاص هذا الاسم بهذه الخاصية الشريفة والله الهادي إلى الصواب
الباب العاشر
في البحث المتعلق بقولنا الرحمن الرحيم
اعلم أن الأشياء على أربعة أقسام الذي يكون نافعا وضروريا معا والذي يكون نافعا ولا يكون ضروريا والذي يكون ضروريا ولا يكون نافعا والذي لا يكون نافعا ولا يكون ضروريا أما القسم الأول - وهو الذي يكون نافعا وضروريا معا - فإما أن يكون كذلك في الدنيا فقط وهو مثل النفس - فإنه لو انقطع منك لحظة واحدة حصل الموت وإما أن يكون كذلك في الآخرة وهو معرفة الله تعالى فإنها إن زالت عن القلب لحظة واحدة مات القلب واستوجب عذاب الأبد وأما القسم الثاني - وهو الذي يكون نافعا ولا يكون ضروريا - فهو كالمال في الدنيا وكسائر العلوم والمعارف في الآخرة وأما القسم الثالث - وهو الذي يكون ضروريا ولا يكون نافعا - فكالمضار التي لا بد منها في الدنيا كالأمراض والموت والفقر والهرم ولا نظير لهذا القسم في الآخرة فإن منافع الآخرة لا يلزمها شيء من المضار وأما القسم الرابع - وهو الذي لا يكون نافعا ولا ضروريا - فهو كالفقر في الدنيا والعذاب في الآخرة إذا عرفت هذا فنقول قد ذكرنا أن النفس في الدنيا نافع وضروري فلو انقطع عن الإنسان لحظة لمات في الحال وكذلك معرفة الله تعالى أمر لا بد منه في الآخرة فلو زالت عن القلب لحظة لمات القلب لا محالة لكن الموت الأول أسهل من الثاني لأنه لا يتألم في الموت الأول إلا ساعة واحدة وأما الموت الثاني فإنه يبقى ألمه أبد الآباد وكما أن التنفس له أثران أحدهما إدخال النسيم الطيب على القلب وإبقاء اعتداله وسلامته والثاني إخراج الهواء الفاسد الحار المحترق عن القلب كذلك الفكر له أثران أحدهما إيصال نسيم الحجة والبرهان إلى القلب وإبقاء اعتدال الإيمان والمعرفة عليه والثاني إخراج الهواء الفاسد المتولد من الشبهات عن القلب وما ذاك إلا بان يعرف أن هذه المحسوسات متناهية في مقاديرها منتهية بالآخرة إلى الفناء بعد وجودها فمن وقف على هذه الأحوال بقي آمنا من الآفات واصلا إلى الخيرات والمسرات وكمال هذين الأمرين ينكشف لعقلك بان تعرف أن كل ما وجدته ووصلت إليه فهو قطرة من بحار رحمة الله وذرة من أنوار إحسانه فعند هذا ينفتح على قلبك معرفة كون الله تعالى رحمانا رحيما فإذا أردت أن تعرف هذا المعنى على التفصيل فاعلم أنك جوهر مركب من نفس وبدن وروح وجسد أما نفسك فلا شك أنها كانت جاهلة في مبدأ الفطرة كما قال تعالى والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون النحل ٧٨ ثم تأمل في مراتب القوى الحساسة والمحركة والمدركة والعاقلة وتأمل في مراتب المعقولات وفي جهاتها واعلم أنه لا نهاية لها البتة ولو أن العاقل أخذ في اكتساب العلم بالمعقولات وسرى فيها سريان البرق الخاطف والريح