واعلم أن هذه المسألة تشتمل على ثلاث مسائل إحداها أن هذه المسألة هل هي مسألة اجتهادية حتى يجوز الاستدلال فيها بالظواهر وأخبار الآحاد أو ليست من المسائل الاجتهادية بل هي من المسائل القطعية وثانيتها أن بتقدير أنها من المسائل الاجتهادية فما الحق فيها وثالثتها الكلام في أنها تقرأ بالإعلان أو بالإسرار فلنتكلم في هذه المسائل الثلاث المسألة الخامسة في تقرير أن هذه المسألة ليست من المسائل القطعية وزعم القاضي أبو بكر أنها من المسائل القطعية قال والخطأ فيها إن لم يبلغ إلى حد التكفير فلا أقل من التفسيق واحتج عليه بان التسمية لو كانت من القرآن لكان طريق إثباته إما التواتر أو الآحاد والأول باطل لأنه لو ثبت بالتواتر كون التسمية من القرآن لحصل العلم الضروري بأنها من القرآن ولو كانت كذلك لامتنع وقوع الخلاف فيه بين الأمة والثاني أيضا باطل لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن فلو جعلناه طريقا إلى إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية ولصار ذلك ظنيا ولو جاز ذلك لجاز ادعاء الروافض في أن القرآن دخله الزيادة والنقصان والتغيير والتحريف وذلك يبطل الإسلام واعلم أن الشيخ الغزالي عارض القاضي فقال نفي كون التسمية من القرآن إن ثبت بالتواتر لزم أن لا يبقى الخلاف وإن ثبت بالآحاد فحينئذ يصير القرآن ظنيا ثم أورد على نفسه سؤالا وهو أنه لو قال قائل ليس من القرآن عدم فلا حاجة في إثبات هذا العدم إلى النقل لأن الأصل هو العدم واما قولنا إنه قرآن فهو ثبوت فلا بد فيه من النقل ثم أجاب عنه بان قال هذا وإن كان عدما إلا أن كون التسمية مكتوبة بخط القرآن يوهم كونها من القرآن فههنا لا يمكننا الحكم بأنها ليست من القرآن إلا بدليل منفصل وحينئذ يعود التقسيم المذكور من أن الطريق إما أن يكون تواترا أو آحادا فثبت أن الكلام الذي أورده القاضي لازم عليه فهذا آخر ما قيل في هذا الباب والذي عندي فيه أن النقل المتواتر ثابت بأن بسم الله الرحمن الرحيم كلام أنزله الله على محمد وبأنه مثبت في المصحف بخط القرآن وعند هذا ظهر أنه لم يبق لقولنا إنه من القرآن أو ليس من القرآن فائدة إلا أنه حصل فيها أحكام شرعية هي من خواص القرآن مثل أنه هل يجب قراءتها في الصلاة أم لا وهل يجوز للجنب قراءتها أم لا وهل يجوز للمحدث مسها أم لا ومعلوم أن هذه الأحكام اجتهادية فلما رجع حاصل قولنا إن التسمية هل هي من القرآن إلى ثبوت هذه الأحكام وعدمها وثبت أن ثبوت هذه الأحكام وعدمها أمور اجتهادية ظهر أن البحث اجتهادي لا قطعي وسقط تهويل القاضي المسألة السادسة في بيان أن التسمية هل هي من القرآن وأنها آية من الفاتحة قال قراء المدينة والبصرة وفقهاء الكوفة إنها ليست من الفاتحة وقال قراء مكة والكوفة وأكثر فقهاء الحجاز إنها آية من الفاتحة وهو قول ابن المبارك والثوري ويدل عليه وجوه - الحجة الأولى
روى الشافعي رضي الله عنه عن مسلم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أنها قالت
قرأ رسول الله فاتحة الكتاب فعد بسم الله الرحمن الرحيم آية الحمد لله رب العالمين آية الرحمن الرحيم آية مالك يوم الدين آية إياك نعبد وإياك نستعين آية اهدنا الصراط المستقيم آية صراط


الصفحة التالية
Icon