هدى عقول الخلق إلى معرفة أقسام الأغذية والأدوية من المعادن والنبات والحيوان فإنه إذا خاض في هذا الباب وجده بحرا لا ساحل له وقد حكى جالينوس أنه لما صنف كتابه في منافع أعضاء العين قال بخلت على الناس بذكر حكمة الله تعالى في تخليق العصبين المجوفين ملتقيين على موضع واحد فرأيت في النوم كان ملكا نزل من السماء وقال يا جالينوس إن إلهك يقول لم بخلت على عبادي بذكر حكمتي قال فانتبهت فصنفت فيه كتابا وقال أيضا إن طحالي قد غلظ فعالجته بكل ما عرفت فلم ينفع فرأيت في الهيكل كأن ملكا نزل من السماء وأمرني بفصد العرق الذي بين الخنصر والبنصر واكثر علامات الطب في أوائلها تنتهي إلى أمثال هذه التنبيهات والإلهامات فإذا وقف الإنسان على أمثال هذه المباحث عرف أن أقسام رحمة الله تعالى على عباده خارجة عن الضبط والإحصاء وأما قوله تعالى مالك يوم الدين فاعلم أن الإنسان كالمسافر في هذه الدنيا وسنوه كالفراسخ وشهوره كالأميال وأنفاسه كالخطوات ومقصده الوصول إلى عالم أخراه لأن هناك يحصل الفوز بالباقيات الصالحات فإذا شاهد في الطريق أنواع هذه العجائب في ملكوت الأرض والسموات فلينظر أنه كيف يكون عجائب حال عالم الآخرة في الغبطة والبهجة والسعادة إذا عرفت هذا فنقول قوله مالك يوم الدين إشارة إلى مسائل المعاد والحشر والنشر وهي قسمان بعضها عقلية محضة وبعضها سمعية أما العقلية المحضة فكقولنا هذا العالم يمكن تخريبه وإعدامه ثم يمكن إعادته مرة اخرى وإن هذا الإنسان بعد موته تمكن إعادته وهذا الباب لا يتم إلا بالبحث عن حقيقة جوهر النفس وكيفية أحوالها وصفاتها وكيفية بقائها بعد البدن وكيفية سعادتها وشقاوتها وبيان قدرة الله عز وجل على إعادتها وهذه المباحث لا تتم إلا بما يقرب من خمسمائة مسألة من المباحث الدقيقة العقلية وأما السمعيات فهي على ثلاثة أقسام أحدها الأحوال التي توجد قبل قيام القيامة وتلك العلامات منها صغيرة ومنها كبيرة وهي العلامات العشرة التي سنذكرها ونذكر أحوالها وثانيها الأحوال التي توجد عند قيام القيامة وهي كيفية النفخ في الصورة وموت الخلائق وتخريب السموات والكواكب وموت الروحانيين والجسمانيين وثالثها الأحوال التي توجد بعد قيام القيامة وشرح أحوال أهل الموقف وهي كثيرة يدخل فيها كيفية وقوف الخلق وكيفية الأحوال التي يشاهدونها وكيفية حضور الملائكة والأنبياء عليهم السلام وكيفية الحساب وكيفية وزن الأعمال وذهاب فريق إلى الجنة وفريق إلى النار وكيفية صفة أهل الجنة وصفة أهل النار ومن هذا الباب شرح أحوال أهل الجنة وأهل النار بعد وصولهم إليها وشرح الكلمات التي يذكرونها والأعمال التي يباشرونها ولعل مجموع هذه المسائل العقلية والنقلية يبلغ الألوف من المسائل وهي بأسرها داخلة تحت قوله مالك يوم الدين وأما قوله تعالى إياك نعبد وإياك نستعين فاعلم أن العبادة عبارة عن الإتيان بالفعل المأموز به على سبيل التعظيم للآمر فما لم يثبت بالدليل أن لهذا العالم إلها واحدا قادرا على مقدورات لا نهاية لها عالما بمعلومات لا نهاية لها غنيا عن كل الحاجات فإنه أمر عباده ببعض الأشياء ونهاهم عن بعضها وأنه يجب على الخلائق طاعته والانقياد لتكاليفه - فإنه لا يمكن القيام بلوازم قوله تعالى إياك نعبد ثم إن بعد


الصفحة التالية
Icon