الأصل فاعلم أن المصلي إذا قصد الصلاة صار من جملة من قال الله في صفتهم يريدون وجهه الكهف ٢٨ ومن أراد الدخول على السلطان العظيم وجب عليه أن يطهر نفسه من الأدناس والأنجاس ولهذا التطهير مراتب المرتبة الأولى التطهير من دنس الذنوب بالتوبة كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا التحريم ٨ ومن كان في مقام الزهد كانت طهارته من الدنيا حلالها وحرامها ومن كان في مقام الإخلاص كانت طهارته من الالتفات إلى أعماله ومن كان في مقام المحسنين كانت طهارته من الالتفات إلى حسناته ومن كان في مقام الصديقين كانت طهارته من كل ما سوى الله وبالجملة فالمقامات كثيرة والدرجات متفاوته كأنها غير متناهية كما قال تعالى فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله الروم ٣٠ فإذا أردت أن تكون من جملة من قال الله فيهم يريدون وجهه الكهف ٢٨ فقم قائما واستحضر في نفسك جميع مخلوقات الله تعالى من عالم الأجسام والأرواح وذلك بان تبتدئ من نفسك وتستحضر في عقلك جملة أعضائك البسيطة والمركبة وجميع قواك الطبيعية والحيوانية والإنسانية ثم استحضر في عقلك جملة ما في هذا العالم من أنواع المعادن والنبات والحيوان من الإنسان وغيره ثم ضم إليه البحار والجبال والتلال والمفاوز وجملة ما فيها من عجائب النبات والحيوان وذرات البهاء ثم ترق منها إلى سماء الدنيا على عظمها واتساعها ثم لا تزال ترقى من سماء إلى سماء حتى تصل إلى سدرة المنتهى والرفرف واللوح والقلم والجنة والنار والكرسي والعرش العظيم ثم انتقل من عالم الأجسام إلى عالم الأرواح واستحضر في عقلك جميع الأرواح الأرضية السفلية البشرية وغير البشرية واستحضر جميع الأرواح المتعلقة بالجبال والبحار مثل ما قال الرسول عليه الصلاة والسلام عن ملك الجبال وملك البحار ثم استحضر ملائكة سماء الدنيا وملائكة جميع السموات السبع كما قال عليه الصلاة والسلام
ما في السموات موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو قاعد واستحضر جميع الملائكة الحافين حول العرش وجميع حملة العرش والكرسي ثم انتقل منها إلى ما هو خارج هذا العالم كما قال تعالى وما يعلم جنود ربك إلا هو المدثر ٣١ فإذا استحضرت جميع هذه الأقسام من الروحانيات والجسمانيات فقل الله أكبر وتريد بقولك الله الذات التي حصل بإيجادها وجود هذه الأشياء وحصلت لها كمالاتها في صفاتها وأفعالها وتريد بقولك أكبر أنه منزه عن مشابهتها ومشاكلتها بل هو منزه عن أن يحكم العقل بجواز مقايسته بها ومناسبته إليها فهذا هو المراد من قوله في أول الصلاة الله أكبر والوجه الثاني في تفسير هذا التكبير أنه عليه الصلاة والسلام قال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك فتقول الله أكبر من أن لا يراني ومن أن لا يسمع كلامي والوجه الثالث أن يكون المعنى الله أكبر من أن تصل إليه عقول الخلق وأوهامهم وأفهامهم قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه التوحيد أن لا تتوهمه الوجه الرابع أن يكون المعنى الله أكبر من أن يقدر الخلق على قضاء حق عبوديته فطاعاتهم قاصرة عن خدمته وثناؤهم قاصر عن كبريائه وعلومهم قاصرة عن كنه صمديته واعلم أيها العبد أنك لو بلغت إلى أن يحيط عقلك بجميع عجائب عالم الأجسام والأرواح فإياك أن تحدثك نفسك بأنك بلغت مبادئ ميادين جلال الله فضلا عن أن تبلغ الغور والمنتهى ونعم ما قال الشاعر