وخاتمته قال أهل التحقيق لما كانت هذه الكلمة فاتحة الشكر جعلها الله فاتحة كلامه ولما كانت خاتمته جعلها الله خاتمة كلام أهل الجنة فقال وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين يونس ١٠ ك وروي عن علي عليه السلام أنه قال خلق الله العقل من نور مكنون مخزون من سابق علمه فجعل العلم نفسه والفهم روحه والزهد رأسه والحياء عينه والحكمة لسانه والخير سمعه والرأفة قلبه والرحمة همه والصبر بطنه ثم قيل له تكلم فقال الحمد لله الذي ليس له ند ولا ضد ولا مثل ولا عدل الذي ذل كل شيء لعزته فقال الرب وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أعز علي منك وأيضا
نقل أن آدم عليه السلام لما عطس فقال الحمد لله فكان أول كلامه ذلك إذا عرفت هذا فنقول أول مراتب المخلوقات هو العقل وآخر مراتبها آدم وقد نقلنا أول كلام العقل هو قوله الحمد لله وأول كلام آدم هو قوله الحمد فثبت أن أول كلام لفاتحة المحدثات هو هذه الكلمة وأول كلام لخاتمة المحدثات هو هذه الكلمة فلا جرم جعلها الله فاتحة كتابه فقال الحمد لله رب العالمين وأيضا ثبت أن أول كلمات الله قوله الحمد لله وآخر أنبياء الله محمد رسول الله وبين الأول والآخر مناسبة فلا جرم جعل قوله الحمد لله أول آية من كتاب محمد رسوله ولما كان كذلك وضع لمحمد عليه السلام من كلمة الحمد اسمان أحمد ومحمد وعند هذا قال عليه السلام
أنا في السماء أحمد وفي الأرض محمد فأهل السماء في تحميد الله ورسول الله أحمدهم والله تعالى في تحميد أهل الأرض كما قال تعالى فأولئك كان سعيهم مشكورا الإسراء ١٩ ورسول الله محمدهم والنكتة الثانية أن الحمد لا يحصل إلا عند الفوز بالنعمة والرحمة فلما كان الحمد أول الكلمات وجب أن تكون النعمة والرحمة أول الأفعال والأحكام فلهذا السبب قال سبقت رحمتي غضبي النكتة الثالثة أن الرسول اسمه أحمد ومعناه أنه أحمد الحامدين أي أكثرهم حمدا فوجب أن تكون نعم الله عليه أكثر لما بينا أن كثرة الحمد بحسب كثرة النعمة والرحمة وإذا كان كذلك لزم أن تكون رحمة الله في حق محمد عليه السلام أكثر منها في حق جميع العالمين فلهذا السبب قال وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين الأنبياء ١٠٧ النكتة الرابعة أن المرسل له اسمان مشتقان من الرحمة وهما الرحمن الرحيم وهما يفيدان المبالغة والرسول له أيضا اسمان مشتقان من الرحمة وهما محمد وأحمد لأنا بينا أن حصول الحمد مشروط بحصول الرحمة فقولنا محمد وأحمد جار مجرى قولنا مرحوم وأرحم وجاء في بعض الروايات أن من أسماء الرسول الحمد والحامد والمحمود فهذه خمسة للرسول دالة على الرحمة إذا ثبت هذا فنقول إنه تعالى قال نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم الحجر ٤٩ فقوله نبئ إشارة إلى محمد وهو مذكور قبل العباد والياء في قوله عبادي ضمير عائد إلى الله تعالى والياء في قوله أني عائد إليه وقوله أنا عائد إليه وقوله الغفور الرحيم صفتان لله فهي خمسة ألفاظ دالة على الله الكريم الرحيم فالعبد يمشي يوم القيامة وقدامه الرسول مع خمسة أسماء تدل على الرحمة وخلفه خمسة ألفاظ من أسماء الله تدل على الرحمة ورحمة الرسول كثيرة كما قال تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين الأنبياء ١٠٧ ورحمة الله غير متناهية كما قال تعالى ورحمتي وسعت كل شيء الأعراف ١٥٦