قال إياك نعبد لأنك الله الخالق وإياك نستعين لأنك الرب الرازق إياك نعبد لأنك الرحمن وإياك نستعين لأنك الرحيم إياك نعبد لأنك الملك وإياك نستعين لأنك المالك واعلم أن قوله مالك يوم الدين دل على أن العبد منتقل من دار الدنيا إلى دار الآخرة ومن دار الشرور إلى دار السرور فقال لا بد لذلك اليوم من زاد واستعداد وذلك هو العبادة فلا جرم قال إياك نعبد ثم قال العبد الذي اكتسبته بقوتي وقدرتي قليل لا يكفيني في ذلك اليوم الطويل فاستعان بربه فقال ما معي قليل فأعطني من خزائن رحمتك ما يكفيني في ذلك اليوم الطويل فقال وإياك نستعين ثم لما حصل الزاد ليوم المعاد قال هذا سفر طويل شاق والطرق كثيرة والخلق قد تاهوا في هذه البادية فلا طريق إلا أن أطلب الطريق ممن هو بإرشاد السالكين حقيق فقال اهدنا الصراط المستقيم ثم إنه لا بد لسالك الطريق من رفيق ومن بدرقة ودليل فقال صراط الذين أنعمت عليهم والذين أنعم الله عليهم هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون فالأنبياء هم الأدلاء والصديقون هم البدرقة والشهداء والصالحون هم الرفقاء ثم قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين وذلك لأن الحجب عن الله قسمان الحجب النارية - وهي عالم الدنيا - ثم الحجب النورية - وهي عالم الأرواح - فاعتصم بالله سبحانه وتعالى من هذين الأمرين وهو أن لا يبقى مشغول السر لا بالحجب النارية ولا بالحجب النورية
الفصل العاشر
في هذه السورة كلمتان مضافتان إلى اسم الله واسمان مضافان إلى غير الله أما الكلمتان المضافتان إلى اسم الله فهما قوله بسم الله وقوله الحمد لله فقوله بسم الله لبداية الأمور وقوله الحمد لله لخواتيم الأمور فبسم الله ذكر والحمد لله شكر فلما قال بسم الله استحق الرحمة ولما قال الحمد لله استحق رحمة أخرى فبقوله بسم الله استحق الرحمة من اسم الرحمن وبقوله الحمد لله استحق الرحمة من اسم الرحيم فلهذا المعنى قيل يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة وأما قوله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين فالربوبية لبداية حالهم بدليل قوله ألست بربكم قالوا بلى الأعراف ١٧٢ وصفة الرحمن لوسط حالهم وصفة الملك لنهاية حالهم بدليل قوله لمن الملك اليوم لله الواحد القهار غافر ١٦ والله أعلم بالصواب وهو الهادي إلى الرشاد