من حلاوة الطبرزذ ما وضعوا له في اللغة لفظة معينة بل لا يمكن ذكرها إلا على سبيل الإضافة مثل أن يقال حلاوة النبات وحلاوة الطبرزذ فلما لم توضع لتلك التفرقة لفظة مخصوصة لا جرم لا يمكن تعريفها باللفظ ولو أنهم وضعوا لها لفظة لقد كان يمكن تعريفها باللفظ على ذلك التقدير وأما القسم الثاني وهو أن الإنسان إذا أدرك من نفسه حالة مخصوصة وسائر الناس ما أدركوا تلك الحالة المخصوصة استحال لهذا المدرك وضع لفظ لتعريفة لأن السامع ما لم يعرف المسمى أولا لم يمكنه أن يفهم كون هذا اللفظ موضوعا له فلما لم يحصل تصور تلك المعاني عند السامعين امتنع منهم أن يتصوروا كون هذه الألفاظ موضوعة لها فلا جرم امتنع تعريفها أما لو فرضنا أن جماعة تصوروا تلك المعاني ثم وضعوا لها ألفاظا مخصوصة فعلى هذا التقدير كان يمكن تعريف تلك الأحوال بالبيانات اللفظية - فهكذا يجب أن يتصور معنى ما يقال إن كثيرا من المعاني لا يمكن تعريفها بالألفاظ
المسألة الحادية والأربعون
في الحكمة في وضع الألفاظ للمعاني وهي أن الإنسان خلق بحيث لا يستقل بتحصيل جميع مهماته فاحتاج إلى أن يعرف غيره ما في ضميره ليمكنه التوسل به إلى الاستعانة بالغير ولا بد لذلك التعريف من طريق والطرق كثيرة مثل الكتابة والإشارة والتصفيق باليد والحركة بسائر الأعضاء إلا أن أسهلها وأحسنها هو تعريف ما في القلوب والضمائر بهذه الألفاظ ويدل عليه وجوه أحدها أن النفس عند الإخراج سبب لحدوث الصوت والأصوات عند تقطيعاتها أسباب لحدوث الحروف المختلفة وهذه المعاني تحصل من غير كلفة ومعونة بخلاف الكتابة والإشارة وغيرهما والثاني أن هذه الأصوات كما توجد تفنى عقيبه في الحال فعند الاحتياج إليه تحصل وعند زوال الحاجة تفنى وتنقضي والثالث أن الأصوات بحسب التقطيعات الكثيرة في مخارج الحروف تتولد منها الحروف الكثيرة وتلك الحروف الكثيرة بحسب تركيباتها الكثيرة يتولد منها كلمات تكاد أن تصير غير متناهية فإذا جعلنا لكل واحد من المعاني واحدا من تلك الكلمات توزعت الألفاظ على المعاني من غير التباس واشتباه ومثل هذا لا يوجد في الإشارة والتصفيق فلهذه الأسباب الثلاثة قضت العقول السليمة بان أحسن التعريفات لما في القلوب هو الألفاظ
المسألة الثانية والأربعون
كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به وجوهر النفس في أصل الخلقة عار عن هذين الكمالين ولا يمكنها اكتساب هذه الكمالات إلا بواسطة هذا البدن فصار تخليق هذا البدن مطلوبا لهذه الحكمة ثم إن مصالح هذا البدن ما كانت تتم إلا إذا كان القلب ينبوعا للحرارة الغريزية ولما كانت هذه الحرارة قوية احتاجت إلى الترويح لأجل التعديل فدبر الخالق الرحيم الحكيم هذا المقصود بأن جعل للقلب قوة انبساط بها يجذب الهواء البارد من خارج البدن إلى نفسه ثم إذا بقي ذلك الهواء في القلب لحظة تسخن واحتد وقويت حرارته فاحتاج القلب إلى دفعة مرة أخرى وذلك هو الانقباض فإن القلب إذا انقبض انعصر ما فيه من الهواء وخرج إلى الخارج فهذا هو الحكمة في جعل الحيوان متنفسا والمقصود بالقصد الأول هو تكميل جوهر النفس بالعلم والعمل فوقع تخليق البدن في المرتبة الثانية من المطلوبية ووقع تخليق القلب وجعله منبعا للحرارة الغريزية في المرتبة الثالثة ووقع إقدار القلب على الانبساط الموجب لانجذاب الهواء الطيب من الخارج لأجل الترويح في المرتبة الرابعة ووقع إقدار القلب على الانقباض الموجب لخروج ذلك الهواء المحترق في المرتبة الخامسة ووقع صرف ذلك


الصفحة التالية
Icon