الفرق ظاهر لأنا إذا قلنا زيد لم يلزم من وقوف الذهن على معنى هذا اللفظ أن يحكم بإسناد معنى آخر إليه أما إذا فهمنا معنى لفظ ضرب لزم منه حكم الذهن بإسناد هذا المفهوم إلى شيء ما إذا عرفت هذا فنقول إذا قلنا ضرب زيد فقد حكم الذهن بإسناد مفهوم ضرب إلى شيء ثم يحكم الذهن بأن ذلك الشيء هو زيد الذي تقدم ذكره فحينئذ قد أخبر عن زيد بأنه هو ذلك الشيء الذي أسند الذهن مفهوم ضرب إليه وحينئذ يصير قولنا زيد مخبرا عنه وقولنا ضرب جملة من فعل وفاعل وقعت خبرا عن ذلك المبتدأ المسألة الثالثة قالوا الفاعل كالجزء من الفعل والمفعول ليس كذلك وفي تقريره وجوه الأول أنهم قالوا ضربت فأسكنوا لام الفعل لئلا يجتمع أربع متحركات وهم يحتجزون عن تواليها في كلمة واحدة وأما بقرة فإنما احتملوا ذلك فيها لأن التاء زائدة واحتملوا ذلك في المفعول كقولهم ضربك وذلك يدل على أنهم اعتقدوا أن الفاعل جزء من الفعل وأن المفعول منفصل عنه الثاني أنك تقول الزيدان قاما أظهرت الضمير للفاعل وكذلك إذا قلت زيد ضرب وجب أن يكون الفعل مسند إلى الضمير المستكن طردا للباب والثالث وهو الوجه العقلي - أن مفهوم قولك ضرب هو أنه حصل الضرب لشيء ما في زمان مضى فذلك الشيء الذي حصل له الضرب جزء من مفهوم قولك ضرب فثبت أن الفاعل جزء من الفعل المسألة الرابعة الإضمار قبل الذكر على وجوه أحدها أن يحصل صورة ومعنى كقولك ضرب غلامه زيدا والمشهور أنه لا يجوز لأنك رفعت غلامه بضرب فكان واقعا موقعة والشيء إذا وقع موقعه لم تجز إزالته عنه وإذا كان كذلك كانت الهاء في قولك غلامه ضميرا قبل الذكر وأما قول النابغة جزى ربه عني عدي بن حاتم
جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
فجوابه أن الهاء عائدة إلى مذكور متقدم وقال ابن جني وأنا أجيز أن تكون الهاء في قوله ربه عائدة على عدي خلافا للجماعة ثم ذكر كلاما طويلا غير ملخص وأقول الأولى في تقريره أن يقال الفعل من حيث أنه فعل كان غنيا عن المفعول لكن الفعل المتعدي لا يستغني عن المفعول وذلك لأن الفاعل هو المؤثر والمفعول هو القابل والفعل مفتقر إليهما ولا تقدم لأحدهما على الآخر أقصى ما في الباب أن يقال أن الفاعل مؤثر والمؤثر أشرف من القابل فالفاعل متقدم على المفعول من هذا الوجه لأنا بينا أن الفعل المتعدي مفتقر إلى المؤثر وإلى القابل معا وإذا ثبت هذا فكما جاز تقديم الفاعل على المفعول وجب أيضا جواز تقديم المفعول على الفاعل القسم الثاني وهو أن يتقدم المفعول على الفاعل في الصورة لا في المعنى وهو كقولك ضرب غلامه زيد فغلامه مفعول وزيد فاعل ومرتبة المفعول بعد مرتبة الفاعل إلا أنه وإن تقدم في اللفظ لكنه متأخر في المعنى والقسم الثالث وهو أن يقع في المعنى لا في الصورة كقوله تعالى وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات البقرة ١٢٤ فههنا الإضمار قبل الذكر غير حاصل في الصورة لكنه حاصل في المعنى لأن الفاعل مقدم في المعنى ومتى صرح بتقديمه لزم الإضمار قبل الذكر
المسألة الخامسة
الفاعل قد يكون مظهرا كقولك ضرب زيد وقد يكون مضمرا بارزا كقولك ضربت وضربنا ومضمرا مستكنا كقولك زيد ضرب فتنوي في ضرب فاعلا وتجعل الجملة خبرا عن زيد ومن إضمار الفاعل قولك إذا كان غدا فأتني أي إذا كان ما نحن عليه غدا
المسألة السادسة
الفعل قد يكون مضمرا يقال من فعل فتقول زيد والتقدير فعل زيد ومنه قوله تعالى وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله التوبة ٦ والتقدير وإن استجارك أحد من المشركين
المسألة السابعة
إذا جاء فعلان معطوفا أحدهما على الآخر وجاء بعدهما اسم صالح لأن يكون معمولا لهما فهذا على قسمين لأن الفعلين إما أن يقتضيا عملين متشابهين أو مختلفين وعلى التقديرين فإما أن يكون الاسم المذكور بعدهما واحدا أو أكثر فهذه أقسام أربعة القسم الأول أن يذكر فعلان يقتضيان عملا واحدا ويكون المذكور بعدهما اسما واحدا كقولك قام وقعد زيد فزعم الفراء أن الفعلين جميعا عاملان في زيد والمشهور أنه لا يجوز لأنه يلزم تعليل الحكم الواحد بعلتين ممتنع في المؤثرات أما في المعرفات فجائز وأجيب عنه بأن المعرف يوجب المعرفة فيعود الأمر إلى اجتماع المؤثرين في الأثر الواحد القسم الثاني إذا كان الاسم غير مفرد وهو كقولك قام وقعد أخواك فههنا إما أن ترفعه بالفعل الأول أو بالفعل الثاني فإن رفعته بالأول قلت قام وقعدا أخواك لأن التقدير قام أخواك وقعدا أما إذا أعملت الثاني جعلت في الفعل الأول ضمير الفاعل لأن الفعل لا يخلو من فاعل مضمر أو مظهر تقول قاما وقعد أخواك وعند البصريين إعمال الثاني أولى وعند الكوفيين إعمال الأول أولى حجة البصريين أن إعمالهما معا ممتنع فلا بد من إعمال أحدهما والقرب مرجح فإعمال الأقرب أولى وحجة الكوفيين إذا أعملنا الأقرب وجب إسناد الفعل المتقدم إلى الضمير ويلزم حصول الإضمار قبل الذكر وذلك أولى بوجوب الاحتراز عنه القسم الثالث ما إذا اقتضى الفعلان تأثيرين متناقضين وكان الاسم المذكور بعدهما مفردا فيقول البصريون إن إعمال الأقرب أولى خلافا للكوفيين حجة البصريين وجوه الأول قوله - تعالى - آتوني أفرغ عليه قطرا الكهف ٩٦ فحصل ههنا فعلان كل واحد منهما يقتضي مفعولا فإما أن يكون الناصب لقوله قطرا هو قوله آتوني أو أفرغ والأول باطل وإلا صار التقدير آتوني قطرا وحينئذ كان يجب أن يقال أفرغه عليه ولما لم يكن كذلك علمنا أن الناصب لقولك قطرا هو قوله أفرغ الثاني قوله تعالى هاؤم اقرؤا كتابيه الحاقة ١٩ فلو كان العامل هو الأبعد لقيل هاؤم اقرؤه وأجاب الكوفيون عن هذين الدليلين بأنهما يدلان على جواز إعمال الأقرب وذلك لا نزاع فيه وإنما النزاع في أنا نجوز إعمال الأبعد وأنتم تمنعونه وليس في الآية ما يدل على المنع الحجة الثالثة للبصريين أنه يقال ما جاءني من أحد فالفعل رافع والحرف جار ثم يرجح الجار لأنه هو الأقرب الحجة الرابعة أن اهمالهما وإعمالهما لا يجوز ولا بد من الترجيح والقرب مرجح فأعمال الأقرب أولى


الصفحة التالية
Icon