واحتج الكوفيون بوجوه الأول أنا بينا أن الاسم المذكور بعد الفعلين إذا كان مثنى أو مجموعا فإعمال الثاني يوجب في الأول الإضمار قبل الذكر وأنه لا يجوز فوجب القول بإعمال الأول هناك فإذا كان الاسم مفردا وجب أن يكون الأمر كذلك طردا للباب الثاني أن الفعل الأول وجد معمولا خاليا عن العائق لأن الفعل لا بد له من مفعول والفعل الثاني وجد المعمول بعد أن عمل الأول فيه وعمل الأول فيه عائق عن عمل الثاني فيه ومعلوم أن إعمال الخالي عن العائق أولى من إعمال العامل المقرون بالعائق القسم الرابع إذا كان الاسم المذكور بعد الفعلين مثنى أو مجموعا فإن أعملت الفعل الثاني قلت ضربت وضربني الزيدان وضربت وضربني الزيدون وإن أعملت الأول قلت ضربت وضرباني الزيدين وضربت وضربوني الزيدين
المسألة الثامنة
قول امرئ القيس فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة
كفاني ولم أطلب قليل من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثل
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
فقوله كفاني ولم أطلب ليسا متوجهين إلى شيء واحد لأن قوله كفاني موجه إلى قليل من المال وقوله ولم أطلب غير موجه إلى قليل من المال وإلا لصار التقدير فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة لم أطلب قليلا من المال وكلمة لو تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره فيلزم حينئذ أنه ما سعى لأدنى معيشة ومع ذلك فقد طلب قليلا من المال وهذا متناقض فثبت أن المعنى ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني قليل من المال ولم أطلب الملك وعلى هذا التقدير فالفعلان غير موجهين إلى شيء واحد ولنكتف بهذا القدر من علم العربية قبل الخوض في التفسير القسم الثاني من هذا الكتاب المشتمل على تفسير ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) في المباحث النقلية والعقلية وفيه أبواب -
الباب الأول
في المسائل الفقهية المستنبطة من قولنا ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
المسألة الأولى
اتفق الأكثرون على أن وقت قراءة الاستعاذ قبل قراءة الفاتحة وعن النخعي أنه بعدها وهو قول داود الأصفهاني وإحدى الروايتين عن ابن سيرين وهؤلاء قالوا الرجل إذا قرأ سورة الفاتحة بتمامها وقال ( آمين ) فبعد ذلك يقول أعوذ بالله والأولون احتجوا بما روى جبير بن مطعم أن النبي حين افتتح الصلاة قال الله أكبر كبيرا ثلاث مرات والحمد لله كثيرا ثلاث مرات وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاث مرات ثم قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه واحتج المخالف على صحة قوله بقوله سبحانه فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم النحل ٩٨ دلت هذه الآية على أن قراءة القرآن شرط وذكر الاستعاذة جزاء والجزاء متأخر عن الشرط فوجب أن تكون الاستعاذة متأخره عن قراءة القرآن ثم قالوا وهذا موافق لما في العقل لأن من قرأ القرآن فقد استوجب الثواب العظيم فلو دخله العجب في آداء تلك الطاعة سقط ذلك الثواب لقوله عليه الصلاة


الصفحة التالية
Icon