والوجه الثاني أنه تعالى قال في هذه الآية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى ذكر لفظ النعمة مبهمة والظاهر أن المراد بهذه النعمة ما تقدم ذكره وهو الدين
فإن قيل لم لا يجوز أن يكون المراد بإتمام النعمة جعلهم قاهرين لأعدائهم أو المراد به جعل هذا الشرع بحيث لا يتطرق إليه نسخ
قلنا أما الأول فقد عرف بقوله الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فحمل هذه الآية عليه أيضاً يكون تكريراً
وأما الثاني فلأن إبقاء هذا الدين لما كان إتماماً للنعمة وجب أن يكون أصل هذا الدين نعمة لا محالة فثبت أن دين الإسلام نعمة
وإاذ ثبت هذا فنقول كل نعمة فهي من الله تعالى والدليل عليه قوله تعالى وَمَا بِكُم مّن نّعْمَة ٍ فَمِنَ اللَّهِ وإذا ثبت هاتان المقدمتان لزم القطع بأن دين الإسلام إنما حصل بتخليق الله تعالى وتكوينه وإيجاده
ثم قال تعالى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسْلاَمَ دِيناً والمعنى أن هذا هو الدين المرضى عند الله تعالى ويؤكده قوله تعالى وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ
ثم قال تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَة ٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
وهذا من تمام ما تقدم ذكره في المطاعم التي حرمها الله تعالى يعني أنها وإن كانت محرمة إلا أنها تحل في حالة الاضطرار ومن قوله ذالِكُمْ فِسْقٌ إلى هاهنا اعتراض وقع في البين والغرض منه تأكيد ما ذكر من معنى التحريم فإن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام الذي هو الدين المرضي عند الله تعالى ومعنى اضطر أصيب بالضر الذي لا يمكنه الامتناع معه من الميتة والمخمصة المجاعة قال أهل اللغة الخمص والمخمصة خلو البطن من الطعام عند الجوع وأصله من الخمص الذي هو ضمور البطن يقال رجل خميص وخمصان وامرأة خميصة وخمصانة والجمع خمائص وخمصانات وقوله غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ أي غير متعمد وأصله في اللغة من الجنف الذي هو الميل قال تعالى فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا ( البقرة ١٨٢ ) أي ميلاً فقوله غير مُتَجَانِفٍ أي غير مائل وغير منحرف ويجوز أن ينتصب غَيْرِ بمحذوف مقدر على معنى فتناول غير متجانف ويجوز أن ينصب بقوله اضْطُرَّ ويكون المقدر متأخراً على معنى فمن اضطر غير متجانف لاثم فتناول فإن الله غفور رحيم ومعنى الإثم هاهنا في قول أهل العراق أن يأكل فوق الشبع تلذذاً وفي قول أهل الحجاز أن يكون عاصياً بسفره وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في تفسير سورة البقرة في قوله فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ ( البقرة ١٧٣ ) وقوله فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ يعني يغفر لهم أكل المحرم عندما اضطر إلى أكله ورحيم بعباده حيث أحل لهم ذلك المحرم عند احتياجهم إلى أكله
يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ