للقيام إلى الصلاة وأردتم ذلك وهذا وإن كان مجازاً إلا أنه مشهور متعارف ويدل عليه وجهان الأول أن الإرادة الجازمة سبب لحصول الفعل وإطلاق اسم السبب على المسبب مجاز مشهور الثاني قوله تعالى الرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النّسَاء ( النساء ٣٤ ) وليس المراد منه القيام الذي هو الانتصاب يقال فلان قائم بذلك الأمر قال تعالى قَائِمَاً بِالْقِسْطِ ( آل عمران ١٨ ) وليس المراد منه ألبتة الانتصاب بل المراد كونه مريداً لذلك الفعل متهيئاً له مستعداً لإدخاله في الوجود فكذا ههنا قوله يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا معناه إذا أردتم أداء الصلاة والاشتغال بإقامتها
المسألة الثانية قال قوم الأمر بالوضوء تبع للأمر بالصلاة وليس ذلك تكليفاً مستقلاً بنفسه واحتجوا بأن قوله يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ جملة شرطية الشرط فيها القيام إلى الصلاة والجزاء الأمر بالغسل والمعلق على الشيء بحرف الشرط عدم عند عدم الشرط فهذا يقتضي أن الأمر بالوضوء تبع للأمر بالصلاة وقال آخرون المقصود من الوضوء الطهارة والطهارة مقصودة بذاتها بدليل القرآن والخبر أما القرآن فقوله تعالى في آخر الآية وَلَاكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وأما الحديث فقوله عليه الصلاة والسلام ( بني الدين على النظافة ) وقال ( أمتي غر محجلون من آثار الوضوء يوم القيامة ) ولأن الأخبار الكثيرة واردة في كون الوضوء سبباً لغفران الذنوب والله أعلم
المسألة الثالثة قال داود يجب الوضوء لكل صلاة وقال أكثر الفقهاء لا يجب احتج داود بهذه الآية من وجهين لأول أن ظاهر لفظ الآية يدل على ذلك فإن قوله يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا إما أن يكون المراد منه قياماً واحداً وصلاة واحدة فيكون المراد منه الخصوص أو يكون المراد منه العموم والأول باطل لوجوه الأول أن على هذا التقدير تصير الآية مجملة لأن تعيين تلك المرة غير مذكور في الآية وحمل الآية على الإجمال إخراج لها عن الفائدة وذلك خلاف الأصل وثانيها أنه يصح إدخال الاستثناء عليه ومن شأنه إخراج ما لولاه لدخل وذلك يوجب العموم وثالثها أن الأمة مجمعة على أن الأمر بالوضوء غير مقصور في هذه الآية على مرة واحدة ولا على شخص واحد وإذا بطل هذا وجب حمله على المعموم عند كل قيام إلى الصلاة إذ لو لم تحمل هذه الآية على هذا المحمل لزم احتياج هذه الآية في دلالتها على ما هو مراد لله تعالى إلى سائر الدلائل فتصير هذه الآية وحدها مجملة وقد بينا أنه خلاف الأصل فثبت بما ذكرنا أن ظاهر هذه الآية يدل على وجوب الووء عند كل قيام إلى الصلاة
الوجه الثاني أنا نستفيد هذا العموم من إيماء اللفظ وذلك لأن الصلاة اشتغال بخدمة المعبود والاتشغال بالخدمة يجب أن يكون مقوناً بأقصى ما يقدر العبد عليه من التعظيم ومن وجوه التعظيم كونه آتياً بالخدمة حال كونه في غاية النظافة ولا شك أن تجديد الوضوء عند كل قيام إلى الصلاة مبالغة في النظافة ومعلوم أن ذكر الحكم عقيب الوصف يدل على كون ذلك الحكم معللاً بذلك الوصف المناسب وذلك يقتضي عموم الحكم لعمومه فيلزم وجو الوضوء عند كل قيام إلى الصلاة ثم قال داود ولا يجوز أن يقال ورد في القراءة الشاذة إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون أو يقال إنا نترك ظاهر هذه الآية لورود خبر الواحد على خلافه قال أما القراءة الشاذة فمردودة قطعاً لأنا إن جوزنا ثبوت قرآن غير منقول بالتواتر لزم الطعن في كل القرآن وهو أن يقال إن القرآن كان أكثر مما هو الآن بكثير إلا أنه لم ينقل وأيضاً فلأن


الصفحة التالية
Icon