الله ليس كذلك
وأعلم أن كل واحد منهما يستدل لذلك بظاهر هذه الآية
أما الشافعي رحمه الله فإنه قال الوضوء مأمور به وكل مأمور به يجب أن يكون منوياً فالوضوء يجب أن يكون منوياً وإذا ثبت هذا وجب أن يكون شرطاً لأنه لا قائل بالفرق وإنما قلنا إن الوضوء مأمور به لقوله فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ( المائدة ٦ ) ولا شك أن قوله فاغْسِلُواْ وَامْسَحُواْ أمر وإنما قلنا إن كل مأمور به أن يكون منوياً لقوله تعالى وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ ( البينة ٥ ) واللام في قوله لِيَعْبُدُواْ ظاهر للتعليل لكن تعليل أحكام الله تعالى محال فوجب حمله على الباء لما عرف من جواز إقامة حروف الجر بعضها مقام بعض فيصير التقدير وما أمروا إلا بأن يعبدوا الله مخلصين له الدين والإخلاص عبارة عن النية الخالصة ومتى كانتالنية الخالصة معتبرة كان أصل النية معتبراً وقد حققنا الكلام في هذا الدليل في تفسير قوله تعالى وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ فليرجع إليه في طلب زيادة الاتقان فثبت بما ذكرنا أن كل وضوء مأمور به وثبت أن كل مأمور به يجب أن يكون منوياً مخصوص في بعض الصور لكنا إنما أثبتنا هده المقدمة بعموم النص والعام حجة في غير محل التخصيص
وأما أبو حنيفة رحمه الله فإنه احتج بهذه الآية على أن النية ليست شرطاً لصحة الوضوء فقال إنه تعالى أوجب غسل الأعضاء الأربعة في هذه الآية ولم يوجب النية فيها فإيجاب النية زيادة على النص والزيادة على النص نسخ ونسخ القرآن بخبر الواحد وبالقياس لا يجوز
وجوابنا إنا بينا أنه إنما أوجبنا النية في الوضوء بدلالة القرآن
المسألة السادسة قال الشافعي رحمه الله الترتيب شرط لصحة الوضوء وقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله ليس كذلك احتج الشافعي رحمه الله بهذه الآية على قوله من وجوه الأول أن قوله يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى يقتضي وجوب الابتداء بغسل الوجه لأن الفاء للتعقيب وإذا وجب الترتيب في هذا العضو وجب في غيره لأنه لا قائل بالفرق
فإن قالوا فاء التعقيب إنما دخلت في جملة هذه الأعمال فجرى الكلام مجرى أن يقال إذا قمتم إلى الصلاة فأتوا بمجموع هذه الأفعال
قلنا فاء التعقيب إنما دخلت على الوجه لأن هذه الفاء ملتصقة بذكر الوجه ثم ءن هذه الفاء بواسطة دخولها على الوجه دخلت على سائر الأعمال وعلى هذا دخول الفاء في غسل الوجه أصل ودخولها على مجموع هذه الأفعال تبع لدخولها على غسل الوجه ولا منافاة بين إيجاب تقديم غسل الوجه وبين إيجاب مجموع هذه الأفعال فنحن اعتبرنا دلالة هذه الفاء في الأصل والتبع وأنتم ألغيتموها في الأصل واعتبرتموها في التبع فكان قولنا أولى
والوجه الثاني أن نقول وقعت البداءة في الذكر بالوجه فوجب أن تقع البداءة به في العمل لقوله