قوله تعالى وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ قال الزجاج معناه فتطهروا إلا أن التاء تدغم في الطاء لأنهما من مكان واحد فإذا أدغمت التاء في الطاء سكن أول الكلمة فزيد فيها ألف الوصل ليبتدأ بها فقيل اطهروا
واعلم أنه تعالى لما ذكر كيفية الطهارة الصغرى ذكر بعدها كيفية الطهارة الكبرى وهي الغسل من الجناية وفيه مسائل
المسألة الأولى لحصول الجناية سببان الأول نزول المني قال عليه الصلاة والسلام ( إنما الماء من الماء ) والثاني التقاء الختانين وقال زيد بن ثابت ومعاذ وأبو سعيد الخدري لا يجب الغسل إلا عند نزول الماء لنا قوله عليه الصلاة والسلام ( إذا التقى الختانان وجب الغسل )
واعلم أن ختان الرجل هو الموضع الذي يقطع منه جلدة القلفة وأمات ختان المرأة فاعلم أن شفريها محيطان بثلاثة أشياء ثقبة في أسفل الفرج وهو مدخل الذكر ومخرج الحيض والولد وثقبة أخرى فوق هذه مثل إحليل الذكر وهي مخرج البول لا غير والثالث فوق ثقبة البول موضع ختانها وهناك جلدة رقيقة قائمة مثل عرف الديك وقطع هذه الجلدة هو ختانها فإذا غابت الحشفة حاذى ختانها ختانه
المسألة الثانية قوله فَاطَّهَّرُواْ أمر على الاطلاق بحيث لم يكن مخصوصاً بعضو معين دون عضو فكان ذلك أمراً بتحصيل الطهارة في كل البدن على الاطلاق ولأن الطهارة لما كانت مخصوصة ببعض الأعضاء لا جرم ذكر الله تعالى تلك الأعضاء على التعيين فههنا لما لم يذكر شيئاً من الأعضاء على التعيين علم أن هذا الأمر أمر بطهارة كل البدن
واعلم أن هذا التطهير هو الاغتسال كما قال في موضع آخر وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ ( النساء ٤٣ )
المسألة الثالثة الدلك غير واجب في الغسل وقال مالك رحمه الله واجب لنا أن أقوله فَاطَّهَّرُواْ أمر بتطهير البدن وتطهير البدن لا يعتبر فيه الدلك بدليل أن النبي ( ﷺ ) لما سئل عن الاغتسال من الجناية قال ( أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات خفيفات من الماء فإذا أنا قد طهرت ) أثبت حصول الطهارة بدون الدلك فدل على أن التطهير لا يتوقف على الدلك
المسألة الربعة لا يجوز للجنب مس المصحف وقال داود يجوز لنا قوله فَاطَّهَّرُواْ فدل على أنه ليس بطاهر وإلا لكان ذلك أمراً بتطهير الطاهر وإنه غير جائز وإذا لم يكن طاهراً لم يجز له مس المصحف لقوله تعالى لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ( الواقعة ٧٩ )
المسألة الخامسة لا يجب تقديم الوضوء على الغسل وقال أبو ثور وداود يجب لنا أن قوله فَاطَّهَّرُواْ أمر بالتطهير والتطهير حاصل بمجرد الاغتسال ولا يتوقف على الوضوء بدليل قوله عليه الصلاة والسلام ( أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات فإذا أنا قد طهرت )
المسألة السادسة قال الشافعي رحمه الله المضمضة والاستنشاق غير واجبين في الغسل وقال أبو


الصفحة التالية
Icon