استيلاء الكفار على بلاد المسلمين فنسأل الله تعالى أن يكفينا شرهم وأن يجعل كدنا في استنباط أحكام الله من نص الله سبباً لرجحان الحسنات على السيآت أنه أعز مأمول وأكرم مسؤول
قوله تعالى مَا يُرِيدُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ وَلَاكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وفي الآية مسائل
المسألة الأولى دلّت الآية على أنه تعالى مريد وهذا متفق عليه بين الأئمة إلاّ أنهم اختلفوا في تفسير كونه مريداً فقال الحسن النجار أنه مريد بعمنى أنه غير مغلوب ولا مكره وعلى هذا التقدير فكونه تعالى مَّرِيداً صفة سلبية ومنهم من قال إنه صفة ثبوتية ثم اختلفوا فقال بعضهم معنى كونه مريداً لأفعال نفسه أنه دعاه الداعي إلى أيجادها ومعنى كونه مريداً لأفعال غيره أنه دعاه الداعي إلى الأمر بها وهو قول الجاحظ وأبي قاسم الكعبي وأبي الحسين البصري من المعتزلة وقال الباقون كونه مريداً صفة زائدة على العلم وهو الذي سميناه بالداعي ثم منهم من قال إنه مريد لذاته وهذه هي الرواية الثانية عن الحسن النجار وقال آخرون إنه مريد بإرادة ثم قال أصحابنا مريد بإرادة قديمة قالت المعتزلة البصرية مريد بإرادة محدثة لا في محله وقالت الكرامية مريد بإرادة محدثة قائمة بذاته والله أعلم
المسألة الثانية قالت المعتزلة دلت الآية على أن تكليف ما لا يطاق لا يوجد لأنه تعالى أخبر أنه ما جعل عليكم في الدين من حرج ومعلوم أن تكليف ما لا يطاق أشد أنواع الحرج قال أصحابنا لما كان خلاف المعلوم محال الوقوع فقد لزمكم ما ألزمتموه علينا
المسألة الثالثة اعلم أن هذه الآية أصل كبير معتبر في الشرع وهو أن الأصل في المضار أن لا تكون مشروعة ويدل عليه هذه الآية فإنه تعالى قال مَّا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدّينِ مِنْ حَرَجٍ ( الحج ٧٨ ) ويدل عليه أيضاً قوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ( البقرة ١٨٥ ) ويدل عليه من الأحاديث قوله عليه السلام ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) ويدل عليه أيضاً أن دفع الضرر مستحسن في العقول فوجب أن يكون الأمر كذلك في الشرع لقوله عليه السلام ( ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ) وأما بيان أن الأصل في المنافع الإباحة فوجوه أحدها قوله تعالى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الاْرْضِ جَمِيعاً ( البقرة ٢٩ ) وثانيها قوله أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيّبَاتُ ( المائدة ٤ ) وقد بينا أن المراد من الطيبات المستلذات والأشياء التي ينتفع بها وإذا ثبت هذان الأصلان فعند هذا قال نفاة القياس لا حاجة البتة أصلاً إلى القياس في الشرع لأن كل حادثة تقع فحكمها المفصل إن كان مذكوراً في الكتاب والسنة فذاك هو المراد وإن لم يكن كذلك فإن كان من باب المضار حرمناه بالدلائل الدالة على أن الأصل في المضار الحرمة وإن كان من باب المنافع إبحناه بالدلائل الدالة على إباحة المنافع وليس لأحد أن يقدح في هذين الأصلين بشيء من الأقسية لأن القياس المعارض لهذين